رتب فشل السياسة الذي شهده الإقليم المحيط بنا خلال السنوات السابقة، ضغوطا هائلة غير مسبوقة على الأردن، رغم أن الأردن الرسمي بقي الأكثر تماسكا واستقرارا في المنطقة.
وفي الوقت الذي نجحت فيه الاستجابة الأمنية في الحد من آثار الفوضى الإقليمية، فإن الاستجابة الاقتصادية والتنموية كانت باهتة ومحدودة؛ يبدو ذلك واضحا في مصفوفة الآثار الأمنية والاقتصادية والديمغرافية، وفي الضغوط الهائلة على المؤسسات والنظم التعليمية والصحية والخدمية والبنى التحتية التي كانت مصممة في الحد الأدنى من القدرة.
كما تبدى ذلك في تراجع الفرص في العمل والأعمال وتحقيق الذات، ما عمق مشاعر الفشل وقلة الحيلة لدى طبقات واسعة من المجتمع الأردني، وبتنا نلاحظ تسارعا كبيرا في نمو تعبيرات سياسية وإعلامية عن فرز اجتماعي غير مسبوق وعن تعبيرات صادمة في الاغلب لا تعكس صورة الواقع وقد لا تعبر عن قدرات البلد وإمكانياته، يبرز ذلك بقوة وبمشاعر حادة في أوقات الأزمات. وهي مشاعر وانفعالات تترجم أحيانا بسلوك فردي وجماعي.
حالة الشعور بالسوداوية واللاجدوى والإمعان بتعميم الشعور بالهشاشة والضعف دخلت مرحلة حرجة وخطيرة، وتساعد شبكات التواصل الاجتماعي والانفتاح الإعلامي والانتهازية السياسية ايضا في نشرها ؛ والاخطر من ذلك ان مشاعر الاحباط باتت تنتقل الى منظومة المعايير السياسية والاجتماعية فأصبحت طريقة حكمنا على الاحداث والتطورات مشوشة ومستلبة وبتنا نلمس كيف ينقاد المجتمع في لحظة الى الصوت العالي، وكيف بات بعض المسؤولين ايضا ينساقون وراء الاسترضاء الرخيص.
مرت سنوات طويلة ساهمت في هز يقين الناس بإمكانياتهم وبقدراتهم وعمقت التناقضات، فقد انتقلت الانتهازية المعلنة والشرهة من الحقل السياسي الى المجتمع، وزادت الغشاوة التي تمنع الناس من رؤية الانجازات بل والتمييز بين الانجاز والضحك على الذقون، فقد عمل سياسيون انتهازيون على تسويق أنفسهم وإنجازاتهم الباهتة ودخلوا في علاقات مريبة ما أسهم في ازدياد سماكة الغشاوة التي تعيق الرؤية.
الأنظمة السياسية والاجتماعية في طول العالم وعرضه تواجه حالات مشابهة من تراجع المنظومة المعنوية وتعاظم الشعور باللاجدوى المصاحب بتراجع اقتصادي واحيانا خراب عام، ولا يمكن ترميم الحالة المعنوية العامة بدون إعادة تعريف الإنجاز وإحداث اختراقات ولو صغيرة يمكن البناء عليها تعيد الأمل لدى الناس بأن التغيير ممكن فلا يمكن أن يتلمس الناس الأمل من دون إنجازات.
وهنا لا يكتفى بالإنجازات العامة الكبرى وهي الأهم، بل ينسحب ذلك إلى إنجازات الأفراد، وهي تشكل في مجموعها الصالح العام.
والعامل الثاني، هو القدرة على بناء الثقة العامة. وقد لاحظنا خلال السنوات القليلة الماضية كيف تم تهشيم هذه الثقة وإضعافها، في وقت صعدت فيه حكومات تأتي وتذهب على عجل، تتكون من نخب منشغلة على الأغلب بتصريف الأمور اليومية، دون الاشتغال على العمق.
المشكلة أحيانا ليست في المخاطر والتهديدات التي يواجهها المجتمع، فالمجتمع كائن حي قد يتعرض للأمراض والعلل؛ بل في الطريقة التي يواجه بها هذه المخاطر وفي قدرة الدفاعات الذاتية على المواجهة؛ أي حيوية المجتمع في الاشتباك الذي يحوّل التحديات والمصاعب إلى فرص لمزيد من التقدم وللتخلص من الحمولات الزائدة والأعباء؛ هذا ما لم يحدث خلال الأشهر الأخيرة في الكثير من التحديات والصعوبات التي واجهها المجتمع الأردني.
ربما يكون الشعور بقلة الحيلة مرحلة تتبع الشعور بالإحباط العام، وتعميم هذه المشاعر مشكلة أعقد من المشاكل الاصلية، ولا يمكن الخروج منها إلا بإحداث اختراقات حقيقية ولو صغيرة وبإعادة تعريف الإنجاز الوطني.
الغد