أشعر بالغيرة كلما رأيت رئيسا سابقا أو مسؤولا ذا شأن يحاكم علناً على ما ارتكبته يداه أو ما قد يكون قد فعله في حياة سابقة.
أشعر بالغيرة من شعوب واعية لا تصنّف أحدا مهما كان فوق القانون ولا تمجّد الشخوص بل تحتفي بالانجازات ، ولاتهمّها الألقاب بقدر الأفعال ، أشعر بالضعف والخجل حين أدرك أن أمراً جيدا كهذا لا يحدث في بلداننا ، وحين أتحدث عن هذا الأمر ، فأنا اعني أن تحاسب الشعوب مسؤوليها وقادتها عن تصرفاتهم تجاه الوطن وأن تقوم الجماهير بدور فاعل وحقيقي في خدمة أهدافها لا أن يقتصر دورها على التصفيق والتطبيل فقط.
ورغم تعاطفي الشديد مع الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك وشكوكي في صحة الاتهامات الموجهة اليه، لا أملك الا أن أشعر بالاعجاب للمستوى الديمقراطي والحرّ والفاعل الذي وصلته تلك الشعوب وفي مقدمتها الشعب الفرنسي والذي يقوم اليوم بمحاكمة رئيسه السابق على أفعاله المتعلّقة باهدار اموال الدولة وخلق وظائف وهمية اثناء فترة رئاسته والتي حفلت بالعديد من المنجزات على الصعيدين المحلي والعالمي.
أشعر بالغضب من أمم تكافئ مسؤوليها من الوصوليين بانتخابهم مرة ومرتين وثلاثة ... دون أن تسائلهم عن السياسات التي اتبعوها اثناء فترة حكمهم وعن تداعياتها وعن اموال الدولة التي انفقت وحقوق المواطنين التي اهدرت وعن تجبّر المتنفذين في الحكومة.
اشعر بالغيرة من مستوى الشفافية والوضوح الذي يميز دولا من المصاف الاول نغبطها معظمنا على حجم الحريات التي يتمتع بها ابناؤها.
أودّ لو أرى تحركا عربيا جماهيريا باتجاه كهذا.. أتمنّى ، والكثيرين غيري أن نشهد شعبا عربيا يحاسب مسؤوليه دون تدخل من الخارج..أحلم دوما بشعب واع ومسؤول ومدرك لحقوقه يضع أصحاب المناصب في دائرة المسائلة القانونية ، لمخالفات ارتكبوها أثناء توليهم سلطاتهم.
ماالذي لا نمتلكه نحن ويؤهلّ شعوبا أخرى للحكم الواعي والصريح على أشخاص وجدوا وانتخبوا أساسا لرعاية مصالحهم؟
لم نميل بالفطرة الى اضفاء صبغات أسطورية ولمحات تمجيدية على كل من وصل الى سدّة المسؤولية وان لم يكن بارادتنا؟
أشعر حقا بالغيرة من اجراءات حضارية لمساءلات داخلية- ومن الأدعى أن تكون كذلك- تمثّل صورة ولا اروع للشفافاية بين المسؤول والشعب ، حيث يدرك من يصل الى كرسي السلطة هناك أن لا مفرّ من العمل بجدّ في سبيل تحقيق الاهداف التي يرغبها الناس وتحسين ظروف البلد.. والا فانه سيكون دائما عرضة للتشكيك والتحقيق وحتىّ السجن ان ثبتت خيانته للأمانة الملقاة على عاتقه.
رغم اعجابي الشخصي بالرئيس الفرنسي الأسبق، أجدني أكثر اعجابا بشعبه، والذي أبى أن يسدل الستار على حقبة حكم سابقة لمجرّد انها انتهت ، أو خوفا من كشف المستور أو رغبة في المحاباة.
عظيمة هي الشعوب التي تضع نصب أعينها أن لا أحد فوق المساءلة ولا احد فوق القانون، وان كان رئيس الدولة.
سادرك أننا بدانا نستعيد الكثير من وعينا والقليل من كرامتنا واحساسنا بالمسؤولية تجاه اوطاننا حين نتوقف عن الهزج لكل من اعتلى منصبا قياديا لمجرّد أنه وصل، ونصحو من سباتنا المرير لنوجّه اصابع الاتهام الواعية لكل من خذلنا وبدّد ثرواتنا وحرم أبنائنا من فرص عمل يستحقونها أو خدمات أساسية يحتاجونها ، لخدمة مصالح ذاتية أو تكديس الأموال العامة.
أعتقد أنني سأشعر بالغيرة لفترة طويلة قادمة..