في 3 نيسان 1978 قرر الملك الحسين إنشاء مجلس وطني استشاري ليحل بصورة مؤقتة محل مجلس النواب المجمد ، وحدد جلالته مهمة المجلس بإسداء الرأي والمشورة للسلطة التنفيذية ، والنظر في التشريعات والقوانين التي تسنها الحكومة ، ومناقشة السياسة العامة للدولة ، وقامت حكومة السيد مضر بدران بتنفيذ رغبة الملك على الفور .
وفي 15 نيسان صدر قانون المجلس الوطني الاستشاري كقانون مؤقت استلزمته الظروف الراهنة ، كما وصفته الحكومة .
وفي 20 نيسان 1978 صدرت الإرادة الملكية بتأليف المجلس بناء على تنسيب مجلس الوزراء ، على أن تستمر مدته لمدة سنتين .
وقد استمرت هذه التجربة لمدة ست سنوات في ثلاث دورات ، وقد تالف المجلس الأول والثاني من 60 عضوا لكل منهما ، بينما تالف المجلس الثالث من 75 عضوا . تم تعيينهم وليس عن طريق الانتخاب ، ولم يكن لهم حق باستجواب الوزراء .
وقد كان المجلس يضم شخصيات سياسية وحزبية وعشائرية ونقابيون ومحامون وأطباء ومهندسون وكتاب وصحفيون وممثلين عن غرفتي الصناعة والتجارة ونقابة العمال . وضم المجلس سيدات ناشطات اجتماعيا ، حتى أن المجلس ضم شخصيات من منتسبي الأحزاب الممنوعة رسميا منهم الشيوعيون .
وهكذا مر الأردن بظروف عطلت الحياة النيابية فبعد احتلال الضفة الغربية سنة 1967 توقفت الحياة النيابية ، وجاءت موافقة الأردن على مقررات مؤتمر الرباط عام 1974 باعتبار منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، وقد دعي مجلس الأمة في عام 1976 لإقرار تعديل دستوري صدر عنه قرار بحل مجلس النواب ، وتوقفت الحياة النيابية لمدة سنتين إلى أن جاء المجلس الاستشاري ليسد الفراغ .
وفي 9 كانون الثاني 1984 دعي مجلس الأمة للانعقاد في دورة استثنائية من اجل النظر في تعديل المادة 73 من الدستور ، بحيث يسمح للملك بان يعيد المجلس المنحل ويدعوه للانعقاد ، وإعطاء الحق للملك بان يأمر بإجراء انتخابات نيابية رغم عدم زوار الظروف القاهرة . والسماح لأعضاء مجلس النواب بانتخاب أعضاء من النواب لملء المقاعد الشاغرة في المجلس فانضم للمجلس ستة نواب كانوا قد عينوا سابقا أعضاء في مجلس الأعيان وهم : رياض المفلح وعاكف الفايز وفؤاد قاقيش وسعود القاضي وكامل عريقات وفيصل الجازي ، وسفيران هما : طاهر المصري ومحيي الدين الحسيني .
وهكذا استؤنفت الحياة النيابية في عام 1984 بعد انقطاع دام عشر سنوات ، ودعى الملك الحسين المجلس للانعقاد في دورة عادية اعتبارا من 16 كانون الثاني 1984 .
وجرت انتخابات فرعية في الضفة الشرقية في 12 آذار 1984 لملء المقاعد الثمانية التي شغرت أثناء فترة تجميد المجلس وخاض الانتخابات 101 مرشحا ، وفاز كل من : في العاصمة ؛ ليث شبيلات في المقعد الذي شغر بوفاة محمد المنور الحديد ، وفي البلقاء ؛ فاز مروان الحمود وزهير ذوقان الحسين ود.فوزي شاكر الطعيمة ، في المقاعد التي شغرت بوفاة محمد الخشمان وعبد الكريم الكايد أبو بقر العبادي وبشارة غصيب ، وفي اربد فاز د.احمد الكوفحي في المقعد الذي شغر بوفاة فضل الدلقموني، وفي الكرك فاز كل من د.رياض النوايسة ود.نزيه عمارين في المقعدين الشاغرين بوفاة عمران المعايطة وسابا العكشة . وفي الطفيلة فاز د.عبد الله العكايلة في المقعد الذي شغر بوفاة وحيد العوران .
وفي 19 كانون الثاني 1984 قام مجلس النواب بانتخاب ثمانية نواب جدد للمقاعد الشاغرة في الضفة الغربية ففاز كل من : داؤود محمد سليمان وفؤاد فراج ومحمد احمد الذويب وربحي مصطفى وفياض فوزي جرار ومعروف سليمان رباع وزياد محمد يونس ود.موسى أبو غوش ، في كل من القدس وبيت لحم وجنين وطولكرم ورام الله للمقاعد الشاغرة بوفاة إميل الغوري وقاسم الريماوي ومحمد سالم الذويب وموسى عابدة وفوزي جرار ومحمد طاهر الكيلاني ومحمد سعيد يونس ، وكان نائب نابلس عبد الكريم المفضي قد فصل من عضوية المجلس بتاريخ 7 شباط 1976 .
وهكذا عاد المجلس النيابي العاشر بممارسة نشاطه في 16 كانون الثاني 1984 ، وبعد أن أتم مدته القانونية مدد لمدة سنتين بعد أن أتم مدته الدستورية أربع سنوات ، ولكنه حل بعد فك الارتباط الإداري والقانوني مع الضفة الغربية في 30 تموز 1988.
والجدير بالذكر انه قد ظل أعضاء مجلس 1967 يشغلون مقاعدهم النيابية لأكثر من 21 عاما ، واستعانت بهم الحكومة عام 1976 وأعيدوا عام 1984 وذهبوا دون رجعة عام 1988.
أما مجالس الأعيان فلم يتم تعطيلها خلال تلك الفترة واستمر تعيين أعضائها من أبناء الضفتين دون توقف ولكن طبقا لنص الدستور فانه إذا حل مجلس النواب توقفت جلسات مجلس الأعيان.
حدث انفراج في العلاقات السياسية بين الأردن والدول العربية بعد موافقة الأردن على الاعتراف بالمنظمة ممثلا للشعب الفلسطيني .فقد عقد مؤتمر رباعي في القاهرة يومي 3-4 كانون الثاني 1975 ، وضم وزراء خارجية الأردن وسورية ومصر وممثلا عن منظمة التحرير الفلسطينية ، وزار الرئيسان السوري حافظ الأسد والمصري أنور السادات الأردن في عام 1975.
أما إسرائيل من جانبها فقد كانت بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 242 كانت ترفض الاعتراف بدور الأردن في السعي لإنقاذ الضفة الغربية . ولا تعترف بأي حق سيادي للأردن على الضفة الغربية ، وان إسرائيل تعتبر الوجود الأردني في الضفة الغربية أصلا احتلال بحد ذاته ، وان الاحتلال الأردني زال عام 1967. أما بعد مؤتمر الرباط فقد أخذت إسرائيل تقول إنها لا تعترف بغير الأردن ممثلا فيما يتعلق بمستقبل الضفة الغربية ولا تقبل بسواه مفاوضا عن الضفة الغربية أما جواب الأردن فان المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وللضفة الغربية .
وفوجئ الأردن في 1 أيلول 1975 بنبأ توقيع سلسلة من الاتفاقات بين مصر وإسرائيل ، لتحقيق السلام وتحقيق انسحاب إسرائيلي جزئي من الأراضي المصرية المحتلة وفي 22 أيلول وقعت مصر وإسرائيل اتفاق فصل القوات الثاني . وهكذا انفردت مصر وانفلتت من الإجماع العربي ، مما اغضب بقية الدول العربية ، فشجبت كل من سورية والأردن والعراق وليبيا والجزائر ومنظمة التحرير الفلسطينية الاتفاق المنفرد مع إسرائيل ، فيما اعتبرت السعودية أن الاتفاق ربما يكون خطوة للتسوية النهائية ، وقام السادات في 6 آذار 1976 بإلغاء معاهدة الصداقة بين مصر والاتحاد السوفييتي .
أما الأردن وسورية فقد اتخذ خطوات عملية كثيرة للتكامل بين البلدين بما يشبه الوحدة إلى حد بعيد ، وأسست الشركات المشتركة بين البلدين ، وأقيمت مراكز حدود مشتركة ، ووحدت المناهج الدراسية بين البلدين ، وأصبح السفر بين البلدين بالبطاقة الشخصية عوضا عن جواز السفر وقد وصف كمال جنبلاط التقارب بين الأردن وسورية بأنه مؤامرة .
وفي لبنان أصبحت الكلمة الأولى للفصائل الفلسطينية ، وأصبحت لبنان قاعدة للمنظمات المسلحة ، منذ أن اخرج الأردنيين المنظمات عام 1971 ، وحاول الجيش اللبناني الحد من سلطة المنظمات عام 1973 ، وحاول حصرهم في المخيمات الفلسطينية للاجئين فقط ، ولكن المنظمات الفدائية رفضت الانصياع للسلطة اللبنانية ، وأصبحت السلطة الحكومية شبه معدومة ولاقت المنظمات الدعم من القوى المعارضة للحكومة اللبنانية ، للتخلص من السلطنة المارونية المسيطرة على الحكم في لبنان ، وقد أيد الدروز في لبنان المنظمات الفدائية بقيادة كما جنبلاط ، والشيعة بقيادة نبيه بري. وتوقف التوتر بينهما إبان حرب تشرين 1973 . ولكن القتال بين الفلسطينيين واللبنانيين تجدد عام 1975 خاصة بين الميليشيات اليمينية وأهمها حزب الكتائب من جهة وبين الفدائيين الفلسطينيين وحلفائهم من الدروز والشيعة اللبنانيين . وتدخلت سورية إلى جانب الفدائيين وحلفائهم في البداية وأخذت تمدهم بالسلاح والعتاد ، كما قامت مصر بمد يد العون للكتائب وحلفائهم ، ولما رجحت كفة الفدائيين تحولت سورية لدعم الكتائب ، وتحولت مصر لدعم المنظمات الفلسطينية .
وقد حدثت مذبحة تل الزعتر للاجئين الفلسطينيين في لبنان ، مما دعا سورية بناء على طلب الحكومة اللبنانية لإرسال جيشها إلى لبنان في 12 نيسان 1976 ، كجزء من قوات الردع التي قررت الدول العربية إرسالها إلى لبنان ، لفرض إيقاف إطلاق النار بين الطرفين . وقال الرئيس السوري : إن الذي يريد أن يحرر فلسطين يجب أن لا يدعو لتحرير جونية وطرابلس " . وقال محمود الأيوبي إن سورية توقفت عن دعم المنظمات في لبنان بعد أن انحرفت .
وقوبل التدخل السوري في لبنان بمعارضة من السياسيين والنقابيين في الأردن ، فقد وقع هؤلاء بيانا موجا إلى الرئيس السوري حافظ الأسد ، يطالبونه وقف التدخل السوري في لبنان ، فيما اعتبرت الحكومة الأردنية أن هذا البيان يسيء للعلاقات بين البلدين ، فبادرت إلى اعتقال ستة عشر من الموقعين عليه ، وهم : الشيخ عبد الحميد السائح ود.منيف الرزاز وود.يعقوب زيادين وداؤد الحسيني ورفعت عوده ووحسن خريس والمحامين إبراهيم بكر وهاني الدحلة ونعمان ارشيدات . وأرسلت الجميع إلى معتقل الجفر حيث امضوا ثلاثة أسابيع ، وقامت الحكومة بتعطيل جريدة الرأي لمدة عشرة أيام لأنها نشرت ملخصا للبيان .
ثم توسطت السعودية بين مصر وسورية وعقد اتفاق بينهما في السعودية في 21 تشرين الأول 1976 ووافقت مصر على بقاء القوات السورية في لبنان .
وفي الفترة من 25-26 تشرين الأول 1976 عقد مؤتمر قمة عربية في القاهرة بطلب من السعودية في محاولة لوقف الحرب الأهلية في لبنان ، واشتركت جميع الدول العربية فيه باستثناء ليبيا وكان المؤتمر لصالح مصر بكل معاني الكلمة ولم يتوصل إلى حل لقضايا لبنان .
وعلى الصعيد الفلسطيني ظهرت منظمة أبو نضال صبري خليل البنا الذي كان عضوا في فتح وانشق عنها عام 1973 وانشأ منظمة خاصة مركزها في بغداد ، وقامت فتح بمحاكمته غيابيا وحكمت عليه بالإعدام ، وفي يوم 17 تشرين الثاني 1976 قام أربعة مسلحين باحتلال فندق الأردن اكبر فنادق العاصمة الأردنية عمان طالبين شجب قرارات مؤتمري الرياض والقاهرة والإفراج عن بعض المعتقلين الفلسطينيين ، ولكن القوات الخاصة الأردنية اقتحمت الفندق وبعد أربع ساعات تمكنت من تحرير النزلاء وقد قتل احد نزلاء الفندق وهو مدير بنك مصري وأصيب اثنان من النزلاء بجراح وأصيب عابر سبيل توفي بعد أسبوع واستشهد اثنان من أفراد القوات الخاصة الأردنية هما الملازم الأول محمود عبد العزيز الكايد والرقيب إبراهيم لباد وأصيب جندي بجراح . وقتل ثلاثة من المهاجمين وأصيب رابع بجراح ، وقد كان المهاجمون من منظمة أبو نضال وتلقوا تدريبهم في العراق .
وفي عهد حكومة زيد الرفاعي عام 1975 لبى الأردن طلب السلطان قابوس سلطان عمان فأرسل الكتيبة الخاصة 91 لمساعدة قوات السلطان في توطيد الأمن في السلطنة ، وبقيت الكتيبة في السلطنة سبعة أشهر من آذار إلى أيلول 1975 .
نواصل استعراض تاريخ الأردن في الحلقة القادمة إن شاء الله ....