مشكلة رواتب ام مشكلة إدارة موارد ؟
د. اسماعيل ملحم
07-09-2019 12:18 PM
مشكلتنا ليست في عدم كفاية الرواتب و غلاء المعيشة بل مشكلتنا في تدني الرغبة بالتغيير الإيجابي و التمسك إلى حد ما بنمط الإدارات التقليدية التي تعودنا عليها في جميع القطاعات العامة و الخاصة ، و التي تعمل بمستوى غير كافي على تفعيل التخطيط الاستراتيجي و حسن إدارة الموارد ، و التي أدت بسياساتها التجريبية و الفردية إلى ما يمكن تسميته بنتائج غير إيجابية ، انعكست سلبا على الواقع المعيشي ، إذ ما زالت معظم إدارات القطاعات المختلفة تدير قطاعاتها اعتمادا على التمويل المبني على الدين الداخلي و الخارجي او اعتمادا على المنح و المساعدات وسط تدني الإنتاج المبني على استثمار الموارد الذاتية و إيجاد الفرص الاستثمارية المحفزة و المنتجة .
ان الحل المنطقي لرفع مستوى المعيشة و تحقيق الرفاه الاجتماعي هو بالسعي لاحلال إدارات رشيدة تتمتع برصيد اخلاقي و مهني و ذات فكر إبداعي و فق خطط استراتيجية واضحة في جميع القطاعات و المرافق العامة ، هدفها الاساسي تحقيق الحياة الكريمة للناس و رفع الانتاج و حسن تسويق الموارد البشرية و الانتاج الصناعي و الزراعي و التسويق السياحي و الإفادة من التجارب الناجحة للدول الأخرى في العالم في هذا المجال ، و العودة إلى استثمار مواردنا الطبيعية و استغلال الاف العقول المفكرة في البحث العلمي على جميع الصعد الصناعية و الزراعية و الطبية و غيرها .
لقد حفزني على الكتابة في هذا الموضوع التصريح لاحد المسؤولين في القطاع التربوي - مع الاحترام له - عن عدم القدرة على توفير حوالي مائة مليون دينار لرفع رواتب موظفي هذا القطاع، دون النظر في بدائل أخرى و منها امكانية استغلال القدرات العلمية و الاقتصادية للموارد البشرية الكبيرة في قطاعه لتوفير هذا المبلغ ، و في توجيه افكار المطالبين برفع رواتبهم الى افكار جديدة تحقق طموحهم و تحفز همتهم دون الاضرار بموازنة القطاعات الاخرى ، فعلى سبيل المثال :
لماذا لا يلجأ إلى فتح شركة حكومية مساهمة للتزود الغذائي و اللوازم التعليمية تخدم المدارس و يفتح فيها المجال لموظفي قطاعه للدخول فيها بأسهم و توزع الارباح نهاية العام الدراسي على جميع المساهمين ؟
لماذا لا يفتح المجال للافكار الإبداعية بالتعاون مع الجامعات في برمجة الحاسوب و تأليف الموسوعات العلمية وتسويقها عبر العالم بما يعود بريع سنوي أكثر من مائة مليون دينار على مؤسسته ..الخ .
و المقصود هنا ان نغير طريقة التفكير في التعاطي مع المشكلات ، فإذا كانت الموزنات محدودة ، فليس هذا يعني أن نغلق باب التفكير في تحصيل موارد جديدة و بأقل كلف ما دام باب الأفكار الإبداعية مفتوح و فيه تقدير لأصحاب هذه الأفكار.
و هنا يحضرني مثال حي ، ان احد الاشخاص الذين أعرفهم جيدا ، في لقائه مع فريق وزاري قابله قبل مدة لاختيار منصب قيادي لاحد المؤسسات ، و سؤالهم له ماذا يمكن أن تقدم في حال اختيارك ؟ ، طرح أفكارا عليهم من ضمنها رفد خزينة الدولة بما يقارب( ٢٠٠ مليون دينار ) سنوي من خلال أفكار جديدة لاستثمارات اقتصادية و حل مشكلة البطالة لمعظم خريجي أحد القطاعات العلمية الواعدة من خلال أفكار قابلة للتطبيق ، و لكن فيما يبدو لم تكن أفكاره مناسبة للمرحلة الحالية ، لذلك لم يحالفه الحظ .
اتمنى ان ندرك أهمية التغيير الإيجابي في حياتنا، فليس كل ما تعودنا عليه من سلوكيات او ثقافات هو المناسب لحياتنا ، فالعالم كله يتجه اليوم إلى الإنتاج و يتنافس في تقديم المنتج ذي الجودة العالية، و هذا التفوق لا يتحقق إلا بمؤسسات ذات رؤى واضحة و قدرات بشرية متعلمة و مخلصة لا تعرف سوى تحقيق المصلحة العليا التي من خلالها سيتمتع الجميع بفرص متساوية و حياة أفضل.