نفاخر في كل المنتديات والمؤتمرات الدولية التي نحضرها ونشارك فيها، بأن الأردن لم يعرف الاغتيال السياسي، ولا يتعرض صحافيوه ونشطاء حقوق الإنسان فيه والمعارضون السياسيون للاختفاء أو الاختطاف في جنح الظلام، ونقول لهم بثقة و من دون تردد أو خوف: نعم هناك مشكلات وضغوط وانتهاكات، تحدث هنا وهناك، لكن الجميع يشعر بالأمن والأمان.

الجميع واثق أنه يستطيع أن يذهب إلى بيته لينام مطمئناً بين أسرته من دون أن يخاف أن يتعرض له أشخاص مجهولون في وسط الطريق وفي وضح النهار، فينهالوا عليه ضرباً ثم يلوذوا بالفرار من دون أن يعترضهم أحد وتقيد قضية الاعتداء في النهاية ضد مجهولين.

كنا نقول ذلك ونتمنى أن نستمر بقول ذلك، فالأردن يختلف عن بعض الدول العربية التي لا يفتح المواطنون فيها فمهم إلا عند طبيب الأسنان، والأردن بالرغم من كل سنوات الأحكام العرفية التي عاشها لم يكن الناس فيه يخشون الكلام، ولم يطبقوا المثل الشعبي الذي يقول "الحيطان لها آذان"، وكانوا يعتمدون على تسامح المجتمع والنظام، وغياب الدم والعنف عند الاختلاف ومهما كانت الظروف.

استذكرت هذه الثوابت التي نتغنى ونتباهى بها، وأنا أعاين تداعيات حادث الاعتداء الآثم على السياسي المعروف ليث شبيلات.

فضيحةٌ هذا الصمت الحكومي عما جرى له، فالشبيلات مواطن ومن واجب الدولة بأجهزتها الأمنية أن تحميه، وأن تحقق فيما حدث، وأن تتوصل للجناة حتى لا يفلتوا من العقاب، وليس مهمتها الإدانة والتنصل من هذه الجريمة.

ولتذكير الحكومة فشبيلات ليس نكرة، وهو من أهم السياسيين في الأردن وما يحظى به من جماهيرية لا تستطيع أن تحققها أية حكومة.

ولا أعتقد أن الحكومة نسيت أن المغفور له الملك الحسين قد ذهب بسيارته إلى سجن سواقة ليطلق سراح شبيلات وليأخذه إلى منزل والدته من دون أن ينتظر الحكومة لتتخذ قراراً بالإفراج عنه.

لم يفعل الحسين ذلك وهو المعروف بحكمته، إلا لأنه كان يعرف مكانة شبيلات عند الأردنيين موالاة ومعارضة، ولم يقبل أن يلحق به ضيم.

شبيلات ليس نبياً لا يجانبه الصواب، لكنه ليس انتهازياً، ليس أزعر حتى يرسل له الزعران والبلطجية لتأديبه.

ربما نختلف مع ما يقوله شبيلات أو ما كان يقوله سابقاً واستمر في قوله، رغم أنه لم يحدث شيء ولم "تخرب مالطا"، ومن لم يكن يعرف ما كان يقوله شبيلات أصبح يعرف في الأردن والعالم بعد سيناريو الاعتداء الطائش الذي يكشف عن قصر نظر من نفذوه ومن كانوا وراءهم!

بصوت عال نقول نريد أن نعرف من اعتدى على ليث، وعلى الأجهزة الأمنية أن تعثر عليهم، وأن تقدمهم للمحاكمة. وبغير ذلك لن نشعر بالأمان، ولن نستطيع أن نتباهى بعد اليوم بأننا دولة سيادة القانون.

حين تم الاعتداء على زميلنا ياسر أبوهلالة مراسل الجزيرة خلال الحرب الهمجية الإسرائيلية على غزة، زرته بصحبة رئيس الديوان الملكي ناصر اللوزي، وكانت لجنة التحقيق بالحادث تستمع لشهادة أبوهلالة.

قلت لهم إن التحقيق مهم، ولكن الأهم معرفة نتائج التحقيق، وتحويل الجناة إلى المحاكم حتى لا يعتقدوا يوماً أن بإمكانهم الإفلات من العقاب.

وكالة "عمون" نشرت أن الأردن حاز على المرتبة 14 بين دول العالم في الحفاظ على السلامة والأمن والاستقرار للمواطنين والزوار، وفق تقرير خاص أعدته الأمم المتحدة.

ويضع التقرير سويسرا في المرتبة الأولى، ويشير إلى أن الأردن يعد من بين الدول العربية الأكثر أمناً واستقراراً نتيجة لتفاني الأجهزة الأمنية في توفير الأمن والسلامة.

أسعدني هذا التقرير جداً، لأنه يؤكد ما ذهبت إليه في بداية مقالتي، وحين نظرت لما جرى مع شبيلات حزنت لأنني لا أعرف إلى أين ستقودنا مثل هذه الاعتداءات مجهولة الفاعلين؟!

شبيلات قامة طويلة تستحق الاحترام، وتستحق التقدير، ويستحق أن يهاتفه رئيس الوزراء ليطمئن على صحته، فوجود معارضين مثل شبيلات نيشان على صدر الأردن القادر على احتواء الجميع.

عن الغد..