حوادث الطرق، ارتجال الحلول لا يوقف دمعاً ولا دما !
د. نضال القطامين
06-09-2019 01:49 PM
أسوأ ما في الفجائع أنها لا تستثني الأحبة. خمسة أرواح ارتقت في ثوانٍ عصْرَ أيلول الباكي؛ وقبلها، تتجندل آلاف الفرسان على الطرقات، وكل يوم، نقدّم قرابين للإسفلت ولا يكتفي!
على أننا ننسى حجم المأساة، بسرعة و نتناساها؛ نغمض أعيننا أمام مئات المآسي التي تتسبب بها حوادث الطرق في المملكة، ونغرز في أحشاء الرمل رأس القرار الذي يمكنه وقف هذا النزيف البشري والاقتصادي و خسائره البشرية تتجاوز في العام الواحد خسائر معركة كبرى، رجالا ونساءً، فتية وفتيات، ومبالغ كبيرة يمكن لعُشرها إصلاح طريق أو إنشاء جسر أو نفق أو شارع.
على مدار عقود خلت، بقيت التشريعات عاجزة عن وقف هذا الاستهتار الذي تقترفه بشكل يومي على الطرقات، أطراف العملية المرورية، الانسان والطريق والمركبة.
ونتساءل عن هذه الأرقام المرعبة؛ وعن أي حرب يمكنها إحداث هذه الخسائر، وأي استهتار ممنهج يجري في التعامل مع هذا الكارثة، وعن وسائل العمل بكامل الطاقة لوقف هذا النزيف بكل الوسائل المتاحة، وعن منحها صفة الاستعجال على كثير من القضايا، بوصفها سببا رئيسا لخسارة القوة البشرية والاقتصادية، ولا أحد يجد جوابا!
بين يدي هذا المقال، خطة طارئة، تطبّقها كثيرٌ من الدول المتقدمة، وهي خطةٌ فيها مفاتيح واضحة للخروج من هذا المأزق بصفة أساسية، لكن ضمان نتائجها يقتضي الإعتراف بأن كل حلولنا التي اجترحناها لم تسهم في شيء من وقف هذا النزيف، وأن ثمة إقصاء غير مقصود للمختصين وذوي البصائر من أولئك الذين يمكنهم الإسهام في وضع حلول ناجعة، ثم أن علينا مراجعة الأسباب التي تضيع فيها مسؤولية هذه الكوارث بين المؤسسات، لتلقي كل جهة اللوم على الأخرى، على أن يتوقف الجميع عن ارتجال الحلول وتطبيق فتاوى لا تزيد الطين إلّا بلّاً .
رأس الحربة في هذه الخطة وقلبها النابض، هو استحداث مؤسسة وطنية مسؤولة بشكل مباشر وكامل عن السيطرة على حوادث الطرق، ويمكن لمجلس الوزراء الموقر بتنسيب من وزارة الداخلية إصدار نظام خاص تنشأ بموجبه هذه المؤسسة، على أن تتبع مباشرة لرئيس الوزراء ومن خلاله ترتبط هذه المؤسسة بالوزارات والدوائر المعنية.
نحن هنا أمام مدخل حقيقي يُمكّن المؤسسة الوطنية المقترحة من العمل بشكل مباشر، ويُمْكن وفق المسؤوليات المناطة بالجهات ذات العلاقة، تقسيم واجبات هذه الجهات تجاه العناصر الثلاثة التي تشكل المثلث المسؤول عن الحوادث المرورية وهي مستخدم الطريق (السائق والراكب والمشاة) والطريق وبيئتها والمركبة، بشكل يعتني بتوفير تنسيق أفقي بين الجهات ذات العلاقة وتنسيق عمودي في الجهة الواحدة، حتى لا يذهب الجهد سدى، ونعود حينذاك، للمربع الذي لا يريده أحد.
فيما يتعلق بمستخدم الطريق، فيقع واجب السيطرة على الحد من مسؤوليته على عاتق الجهات التي يمكن لها توجيه التوعية بشكل مباشر، ولوزارة التربية والتعليم دور مهم في تطبيق مفهوم التربية المرورية بالشكل الذي تراه مناسبا سواء بتخصيص حصص مدرسية أو منهاج مستقل، وكذا وزارة الإعلام والإتصال بتبني مفهوم التوعية المرورية، ومراكز تدريب السواقين والممتحنين بتطبيق مفهوم التدريب الآمن، فضلاً عن استحداث أقسام متخصصة في المؤسسات المعنية، يتوفر فيها كوادر مؤهلة ومدربة تضمن تعريفا واضحا بقوانين السير والتشريعات ذات العلاقة، وتهذيب سلوك مستخدم الطريق باتجاه آمن ومراجعة مستمرة لأساليب التدريب على القيادة الآمنة.
وفيما يتعلق بالطريق وبيئتها، فتحصر المسؤولية في وزارة الأشغال العامة و أمانة عمان الكبرى والبلديات فيما يختص بالطرق الواقعة تحت اشرافها، وعلى هذه الجهات أن تحتضن بنك معلومات للحوادث المرورية وإجراءات متسلسلة للصيانة وخارطة كاملة للمواقع والأطوال والتقاطعات الخطرة وتصنيفها حسب الأولويات وتحديد الأحجام المرورية لشبكات الطرق التابعة لها والتنسيق مع الأقسام المعنية بأثاث وصيانة الطرق وتحديد مواقع وأنواع التسهيلات المرورية اللازمة للمشاة والمركبات بهدف فصل حركة كل منهما عن الآخر.
وفيما يتعلق بالعنصر الثالث من هذه العناصر وهو المركبة، فواجب السيطرة عليه يقع على عاتق مديرية الأمن العام ممثلة بإدارات السير وترخيص المركبات والدوريات الخارجية ومديريات الشرطة في المحافظات، وتكون مهمة هذه الإدارات باستحداث أقسام متخصصة يتوفر فيها كوادر مؤهلة ومدربة تضمن القيام ببناء بنك معلومات للحوادث المرورية والمشاهدات الفنيةبموازاة وضع الأسس الفنية اللازمه لفحص المركبات سنويا والقيام بحملات تفتيشية مفاجئة لسلامة المركبات على الطرق وتحديد اسلوب الانضباط المروري الصارم الضروري للقيادة الآمنة وتحديد اسلوب المخالفات والعقوبات لمن تجاوز التشريعات المرورية المتعلقة بشروط القيادة الآمنة والتعرف على علاقة المركبات بالحوادث ووضع الضوابط الكفيلة بتفاديها، فضلا عن وضع قواعد فنية وأسس الأمان الضرورية لاستيراد المركبات.
يفتح هذا المقال نوافذ وأبواب يمكن الولوج منها لوضع اليد على الجرح، وأضع خبرتي وتخصص دراساتي العليا أمام المهتمين، لعل أذناً مسؤولة صاغية، تأخذ من ما قلناه، مفاتيح لخطة عمل وطنية، تحد من كوارث المرور وتجعل استخدام الطريق سببا للتنمية لا نوافذ للموت.