ثلاث أزمات في أقل من أسبوعين ابتداءً من الرمثا وبحارتها (أزمة تطبيق القانون بعد غط الطرف المتعمد عنه ) الى الكرك ونقل مجمع الباصات وانتهاءً بأزمة المعلمين، مع ما حدث في نفس الفترة من هرج ومرج على مشروع تعديل النواب على قانون الضمان الاجتماعي الذي لم يكن نتيجة الخوف على مصلحة الأردنيين بقدر ما كان "تنفيعًا" للنواب ليتصدر المشهد "الأعيان" بإحراجهم للمجلس المنتخب على المستوى الدستوري والشعبي، واحراجهم للحكومة وعقلها الاقتصادي التي دعمت مطالب النواب وبررتها، وقد حصل كل هذا من دون أن نسمع أي تعليق من أحد على تعديل سن التقاعد المبكر الـذي هو جوهر القانون.
أزمة المعلمين اليوم غابت عنها أي وساطة أو رؤية سياسية، للتفاوض أو تقديم حلول تحفظ للجميع ماء وجوههم، والتي صاحبها غضب شعبي على أداء الحكومة وخياراتها الأمنية، فاق الغضب الذي أطاح بحكومة الملقي، وقد حملت أحداث الخميس في طيات ردود فعل الشعب على قرارات الحكومة وتصعيد نقابة المعلمين صورة فداحة المأزق الذي وصلنا إليه وضيق فضاء أي مخرج قريب من حالة الركود السياسية والاقتصادية وانعدام الثقة وغياب أي طرح لحل بديل.
إدارة الازمات فن ينظر في نتيجة الخيارات والحلول المتوقعة وأثرها القريب والبعيد المدى، واستباق الأحداث بمعالجة مقدماتها منعًا لها من التفاقم وتمحيص الحلول بحثًا عن أنجبها بأخذ اعتبار حساسية وخصوصية الظرفية الزمانية والمكانية والاجتماعية. ثلاث أزمات فشلت الحكومة في إدارتها وفشلت حتى في تسويق وجهة نظرها للجمهور، واقناعه في صحة آلياتها المتبعة للخروج من الأزمة والاشتباك مع عناصرها.
قد يشك البعض في ازدحام الازمات على أجندة الحكومة في الأسبوعين الماضيين، ويعزي ذلك الى قوى تريد رحيلها تساعد على تفاقم الأزمة إن لم نقل خلقها، وقد يحيل البعض ما يجري الى حصيلة تركة القرارات الاقتصادية والفشل الحكومي في خلق انفراجة مالية تنعش الأردنيين واقتصادهم، فكان ضغط المعيشة وضنكها مفتاح ما يجري، وسنجتمع جميعًا على أن غياب الرؤية السياسية عن الحكومة وتهشيم صورة مجلس النواب حرم الحكومة من أي وساطة قد تخفف من شدة المشهد، إضافة الى افتقارها لأي انجاز اقتصادي ملموس، ألزمها اللجوء الى العقل الأمني فقط .
بعيدًا عن كواليس ما حصل سابقًا بين وزارة التربية ونقابة المعلمين من تفاهمات وكيف وصلنا الى اعتصامات الخميس وما تبعه من ردود فعل حكومية أدت للدعوة لإضراب عام يوم الاحد من قبل نقابة المعلمين، لوحت بعدها الحكومة باللجوء للقضاء في مؤتمر صحفي منعت فيه الأسئلة وكان لعرض وجهة نظر الحكومة وايصال رسائلها فقط، إضافة للتعاطف الشعبي الكبير مع المعلمين ومطالبهم، وبعيدًا أيضا عن اشاعات رحيل الحكومة وبدء التكهنات بقوائم البدلاء.
علينا أن نعي، أن حل ما يجري وما قد سيجري مستقبلا ومن باب إدارة الازمات الحالية وتدارك المستقبلية يكمن في انفراجة سياسية تقدمها الحكومة (هذه أو غيرها) على شكل قانون انتخاب جديد يعيد لمجلس النواب ثقله في الشارع وقنوات تأثيره على المزاج العام، والأهم من ذلك أن يعود له دوره في إيصال همهوم المجتمع للحكومة والدفاع عن مستحقات الأردنيين ومتابعة عمل الحكومة على تحقيق ما وعدت والتزمت به.
مفتاح الحل هو مفتاح الازمة نفسه، فمجلس النواب الضعيف هو ما يضطر الناس للنزول الى الشارع وهو ما يشعرهم بغربتهم عن الحكومة وعن ممثليهم في مجلس الامة أيضا، وهو من يسمح للحكومة بتمرير تشريعاتها وخططها التي تثير الناس وترهقهم وهو أيضا من يجب آن يحاسب الحكومة بسلطة انتخاب الشعب له.