جرائم اللا شرف بين الذم و المدح
رشا عواد
05-09-2019 12:40 PM
تتكرر جرائم "اللا شرف" (تسمى جرائم الشرف) في عالمنا العربي في الآونة الأخيرة، وآخرها ما حصل في مدينة بيت لحم ، عندما قتل الشاب بهاء أخته إسراء ، التي تبلغ من العمر واحد و عشرون عاما بشكل وحشي و طريقة بشعة كانت بفترات متباعدة بالضرب الذي افضى الى الموت بعد أن طلب منها أن تستعد للموت.
لم تمتلك هذه الفتاة اليافعة، التي انتابها الشعور بالذنب بحكم عادات وتقاليد المجتمع الرجعي، إلا أن ترضخ لأخيها المجرم دون مقاومة تذكر مع طلبها المتكرر للنجدة و طلب المساعدة لكن دون جدوى.
وهناك أكثر من رواية تتحدث عن سبب وفاة إسراء غريب، الأولى تشير إلى أن وفاتها حدثت إثر تعرضها للعنف الشديد من والدها وأخواتها عقب خروجها مع خطيبها، لكن عائلتها قالت إنها توفيت بعد تعرضها لنوبة قلبية إثر حادث سقوط بفناء المنزل.
بالرجوع للتصريح الذي صرح به زوج شقيقة المغدورة الذي نشر على مواقع التواصل الإجتماعي نرى ان هنالك حلقات مفقودة و علامات استفهام عدة ، اولا فور حدوث الوفاة صرح اهل إسراء بأن الوفاة قد حدثت إثر نوبة قلبية نتيجة سقوطها بفناء المنزل و بعد ذلك ادلوا بتصريح آخر بأن الجن العاشق هو من قام بذلك و أن إسراء لم تكن بعقل واعي بسبب هذا الجن. ايا تخبطات و استهزاؤات بعقول المجتمع هذه! ماذا عن المقاطع التي نشرت عن طريق المغدورة يسمع فيها صراخ و عويل شديدين هل هذا كان بسبب نوبة قلبية ايضا ام بسبب الجن العاشق.
بنات العمّ! :
قريبات الفتاة وبنات عمها تحديداً كُنّ وراء الحادثة، حيث حرضن عليها بسبب صورة لها مع خطيبها الذي قالت الفتاة الراحلة إنها كانت تخرج برفقته مع علم ذويها.
قتل الاب و الأخ و زوج الأخت الفتاة لغسل العار ! على الأقل هم من يعتقد بذلك. الأكثر إيلاما هو أن من قام بهذه الجريمة هم الأقرب للمغدورة . هم لا يعلموا أن هذا الفعل ومرتكبي هذه الجريمة هو العار الحقيقي على الإنسانية، وليس هذه الفتاة المسكينة التي كانت ضحية المجتمع الرجعي و الذي لا يمت للدين بصلة.هي ضحية أخيها الذي فعل فعلته بدم بارد وأنهى حياة شابة يافعة بكل برود، وثقة أن ما فعله هو الصواب.
رحمك الله يا إسراء ؛ أنت ضحية هذا المجتمع الذكوري الفاسد، الذي يريد أن يحاسب النساء على علاقتهن بالرب و علاقتهن بالحياة.
إحصائيا، تحصل نحو سبعة آلاف "جريمة شرف" في الشرق الأوسط والهند وباكستان سنويا. وهذا رقم كبير للغاية يشهد زيادة سنوية في الفترة الأخيرة. تنتهي حياة سبعة آلاف إنسانة سنويا. يقتلهن الذكور في عائلاتهن، وهم يعطون أنفسهم الحق لإنهاء حياة شابات ونساء بحجة غسل العار بالدم. في كثير من الأحيان لا يتم التأكد من حصول ما يفترضه هؤلاء أنه خطأ، وينصب الذكر نفسه قاضيا ومنفذا للحكم الذي يصدره.
ومن المفارقة أن مجتمعاتنا العربية تعتبر شرف الأسرة أو العائلة أو القبيلة متعلقا بالنساء وأفعالهن، فإن "أخطأت" فهي تستحق القتل؛ بينما قد يرتكب الرجال في هذه العائلة أخطاء كثيرة، لكن في مفهومنا المجتمعي أغلب أخطاء الذكر تغتفر وتنسى ولدينا المثل العربي الشهير والمعروف في الشرق الأوسط وهو "الشاب ما بيعيبه شي" (لا شيء يعيب الشاب).
تتشدق مجتمعاتنا العربية بالتدين وأننا شعوب مسلمة ومتدينة، لكننا، مع الأسف الشديد، ننتقي من الإسلام ومن الفكر ما يتماشى مع أهوائنا فقط. يوحّد الإسلام عقوبة الزنا على الرجل والمرأة. ولا يجوز تطبيق العقوبة إلا بعد التثبت من وجود أربعة شهود شاهدوا حصول الإيلاج بأعينهم، وهذا ما لم يحصل على مر التاريخ. لا أريد مناقشة حكم الزنا شرعا، وهو الجلد، لكنني أرغب في الإشارة إلى "جرائم الشرف" فعل اجتماعي ـ ثقافي وليس ديني.
المرأة، إنسانة وأخت وأم وبنت وزوجة، هي مصدر عز وفخر
مع الأسف الشديد، هناك كثير من القوانين اللابشرية في عدد من الدول العربية لحماية المجرمين في هذا النوع من الجرائم، وكثير من القوانين تعتبر "جريمة الشرف" عذرا مخففا للعقوبة، أي أن القاضي يصدر عقوبة مخففة أو عفوا في بعض الأحيان على مرتكب الجريمة في عالمنا العربي بينما هي جريمة مكتملة الأركان وهي جريمة قتل عن عمد وعن سابق تصور وتصميم.
رحمك الله يا إسراء ؛ أنت ضحية هذا المجتمع الذكوري الفاسد،
لساني منعقد عن الكلام وقلمي جفت كلماته التي أستطيع من خلالها التعبير عن حزني الشديد لما حصل من جرائم اللا شرف التي انتشرت في الفترة الأخيرة، ومن ضياع حقوق النساء في عالمنا العربي؛ كنت أظن أننا قطعنا شوطا لجهة تطوير مفهوم حقوق النساء في مجتمعاتنا إلا أن انتشار مثل هذه الجرائم يعيدنا سنوات ضوئية للوراء.