تضاربت روايات المسؤولين في أمانة عمّان الكبرى حول الدوافع خلف تحويل الدوار الرابع إلى تقاطع مروري بإشارات ضوئية.
في البداية قيل إن الأعمال الإنشائية تأتي في سياق مشروع الباص السريع، وتقتصر على “الخامس”. مسؤول آخر في الأمانة لم يأت في تصريحاته على ذكر الباص السريع، وقال إن التغييرات نتيجة دراسة مرورية مشتركة مع إدارة السير وجدت أن من الأفضل تحويل دواري السادس والخامس إلى إشارات مرورية على غرار الدوارين الثامن والسابع.
في كل الأحوال الأعمال الإنشائية التي بدأت في ساعات الفجر الأولى من يوم الثلاثاء فاجأت العمّانيين وضاعفت قلقهم من أزمات مرورية جديدة في وقت يعاني فيه أغلب سكان العاصمة من محنة مرورية جراء أعمال وتحويلات الباص السريع ومشروع مرج الحمام.
لكنْ ثمة قلق من نوع مختلف ينتابنا يخص هوية عمان التي عرفناها على مدار عقود طويلة، وارتبطت بركنين أساسيين؛ الجبال والدوواير. المؤكد أن أمانة عمان لن تتمكن من تغيير طبيعة عمان الجغرافية وستبقى مدينة قائمة على سبعة جبال كما هي منذ النشأة الأولى.
لكن الدواوير أيضا جزء أصيل من هوية عمان، لن تمحى من الذاكرة بسهولة. في كل مرة نحتاج فيها لتوصيف المكان في عمان نأتي على ذكر الدواوير. العناوين والبيوت وأماكن العمل والتواصل مرتبطة بهذا الدوار أو ذاك. وأينما كانت وجهتك في عمان يكون لزاما عليك المرور بواحد منها، أو بجوارها. هي نقطة البداية والنهاية في مشاوير العمانيين يوميا. تسأل صديقا تأخر عن موعده، أين أنت؟ فيرد على الفور”على الدوار الخامس، دقائق وبكون عندك”. وعلى حركة المرور على الدواوير نضبط ساعاتنا ومواعيدنا.
صحيح أن عمان لم تعد قرية كما يقال، وأصبحت مدينة كبيرة تضم في جنباتها نحو أربعة ملايين، وهي في الواقع عدة مدن متداخلة ومترامية الأطراف، تشابكت مع جوارها من المدن والبلدان وفي كل الاتجاهات، لكننا نستطيع في نفس الوقت أن نتوصل لحلول مرورية خلّاقة دون تغيير هوية المدينة ومعالمها التي شكلت صورتها في أذهان سكانها وزائريها. وبالتجربة الحية، إزالة الدواوير لم تسهم في تخفيف الأزمات المرورية، إنما الفضل هو للإشارات الضوئية التي كان بالإمكان وكما قلنا وضعها دون الحاجة لإزالة الدواوير.
في مدن عالمية كثيرة زرناها وزارها مسؤولو الأمانة تنصب الإشارات المرورية على مداخل الدواوير دون إزالتها، ويبقى صحن الدوار معلما حضاريا وجماليا تنصب عليه الأعمال الفنية من تماثيل ولوحات ونوافير مياه جميلة، وساحة يتنفس فيها الناس الهواء ويتبادلون الحديث.
ولم أفهم بعدُ المبرر الهندسي لتحويل “الخامس والسادس” إلى إشارات أسوة بالسابع والثامن ولا نفعل نفس الشيء مع الرابع والثالث.
مهما قلنا فإن الكلام لن يوقف جنازير الجرافات التي شرعت في تجريف الدوار الخامس قبل أن تلتهم “السادس” في قادم الأيام، لكن أيا تكن الصورة النهائية، ستبقى الدواوير ماثلة في وعي الناس وصورتهم الراسخة لعمان، ولن تزيلها الجرافات من ذاكرتهم. عمّان جبال ودواوير، وهذا أجمل ما فيها، وإزالة دواويرها اعتداء على هويتها.
الغد