الاستثمار .. عنوان النهضة
د. منير العزة
04-09-2019 02:53 PM
يتكون الناتج المحلي الإجمالي GDP للدولة من أربعة مكونات هي: الاستهلاك الخاص Consumption + الاستثمار Investment + الانفاق الحكومي Government expenditure + صافي الصادرات Net Export او (الصادرات –الواردات)، وهذه المكونات بمجموعها تشكل الناتج او دخل الدولة السنوي.
وببساطة ولزيادة الناتج المحلي الاجمالي فانه كما نلاحظ من الصعب التأثير على الاستهلاك في ظل ثبات الرواتب والدخول للمواطنين وبدون وجود طفرات او ازدهار اقتصادي، وكذلك الانفاق الحكومي حيث تعمل الحكومات على تخفيض الانفاق ليتلاءم مع إيرادات الدولة ولتخفيض العجز، وكذلك الصادرات والواردات حيث من الصعب تخفيض الواردات في ظل عدم توفر السلع وتصنيعها داخليا، ومن الصعب أيضا زيادة الصادرات في ظل حدود الإنتاج القائمة.
يتبقى لدينا الاستثمار حيث يمكن زيادته باتباع السياسات الاقتصادية الفعالة والاستناد الى قيم اجتماعية وسياسات اجتماعية نابعة من اصالة الشعب الأردني المحافظ المرحب بالضيف القادم لخدمة وتعمير الوطن، وان نعمل على تطوير أسس لمنظومة اجتماعية مرنه يمكنها جذب الاستثمار المحلي والاجنبي.
الاستثمار يعني توظيف رأس المال سواء المحلي او الأجنبي للدخول في مشاريع تكون مربحة للمستثمر صاحب رأس المال، وتوفر فرص عمل وتشغيل للمواطنين، كما توفر انتاج سلع وخدمات جديدة يتم تصديرها للخارج او يتم الاستغناء عن الاستيراد بواسطتها مما يزيد الناتج المحلي والدخل للدولة، أي ان المصالح مشتركة والفائدة تكتسب للمستثمر وللوطن في آن معا.
ومن هنا علينا العمل على تشجيع الاستثمار، والابداع في رسم الخطط الكفيلة بجذب المستثمر، وهنا يمكن ان أقدم مجموعة من الحوافز لتشجيع الاستثمار في الأردن عن طريق تحديد دور كل قطاع يشارك في العملية الاستثمارية وكما يلي:
أولا: دور الحكومة:
يتمثل دور الحكومة في الوزارات المعنية بالعملية الاستثمارية حيث تجاهر الحكومة بدعمها اللامتناهي للاستثمار وتشجيعه ، ومن ضمن الأدوار الحكومية المتعددة ما ورد في قانون الاستثمار رقم 30 لسنة 2014م الفصل الثالث (صفحة 11من القانون وصفحة 6033 من الجريدة الرسمية) حول النافذة الاستثمارية وهي عبارة عن خدمة المكان الواحد ( محطة واحدة) لترخيص الأنشطة الاقتصادية حيث يستطيع المستثمر وبكل بساطة البدء في مشروعه وانهاء جميع التراخيص المطلوبة للتأسيس دون الدوران للحصول على اعتمادات وتراخيص وتوثيقات الوزارات المختلفة، حيث يتواجد في مكان واحد مندوب لوزارة الصناعة والتجارة ومندوب لوزارة المالية ومندوب لأمانة العاصمة، ....وهكذا ، وذلك لإنهاء إجراءات الترخيص في زمن قياسي يشجع المستثمر ويضفي عليه الثقة الموجودة فعلا والتي اصبح بالإمكان التعبير عنها من خلال النافذة الاستثمارية.
ان ما نتمناه ان تكون النافذة الاستثمارية فعالة كما أراد لها القانون وبما يلبي حاجة المستثمر ورغباته، ان تكون بالتمام والكمال المنصوص عليهما في القانون وان تكون خالية من التعقيدات لتساعد المستثمر للبدء في اعماله.
كما ان على الحكومة ان تعمل على توفير الحماية التامة والطمأنينة للمستثمر على شخصه وعلى أمواله وان تعزز لديه روح الثقة، فالقيادة الأردنية الحكيمة والشعب الأردني استطاعوا بناء دولة القوانين وهذا ما نفاخر به الأمم، مما يعزز جذب الاستثمار.
ثانيا: دور هيئة الاستثمار:
حسب قانون الاستثمار 30 لسنة 2014م : تتكون هيئة للاستثمار تكون مسؤولة من مجلس الاستثمار، وهذا المجلس يرأسه رئيس الوزراء وعضوية وزراء الصناعة والمالية والعمل والتخطيط ومحافظ البنك المركزي ورؤساء غرفة صناعة وتجارة الأردن ورئيس هيئة الاستثمار واربعة ممثلين عن القطاع الخاص ، وقد تم تحديد هدف هيئة الاستثمار في المادة 21/أ من قانون رقم 30 لسنة 2014م كما يلي : " هدف هيئة الاستثمار هو : جذب الاستثمار المحلي والاجنبي وتشجيعه وترويجه وضمان ديمومة المناخ الاستثماري الجاذب وتنشيط الحركة الاقتصادية وتعزيز الثقة في البيئة الاستثمارية وتنميتها وتنظيمها وزيادة الصادرات" ، وهنا لابد من الإشارة الى ان القانون قد أورد هدفا لهيئة الاستثمار يتفوق على ما تنادي به جميع مؤلفات الاقتصاد المعاصر فيما لو تم تطبيقه، وقد حدد القانون انه لتحقيق اهداف هيئة الاستثمار فانه يتوجب عليها " وضع الخطط والبرامج لتحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية والتعريف بالفرص الاستثمارية وانشاء المراكز التجارية ومكاتب التمثيل" (مادة 21/ب من قانون الاستثمار رقم 30 سنة 2014م).
وهنا يتبين لنا أهمية دور الهيئة في تشجيع الاستثمار والانابة عن مؤسسات الدولة في توفير المناخ الاستثماري الواعي لجذب المستثمرين، ويبقى التساؤل بشفافية عن دور الهيئة في تحقيق الأهداف الموضوعة لها وما وصلت اليه داخليا وخارجيا.
ثالثا: دور المجتمع في تشجيع الاستثمار
ان للمجتمع دور هام في جذب الاستثمار المحلي والاجنبي، حيث ان المجتمع الواعي يدرك أهمية الاستثمار لاقتصاد بلاده فيعمل على تسهيل وتبسيط عملية الاستثمار، والمجتمع الأردني مجتمع آمن وأمين بالفطرة وبطبيعته لا يمكن ان يقبل استغلال أي مستثمر اجنبيا كان ام محليا وذلك نابع من الدين والايمان المتأصلين في هذا المجتمع ومن القيم والعادات الموروثة من الأعراف والتقاليد، فهو يتعامل مع المستثمر كما يتعامل مع الضيف ووجوب احترامه وحمايته وتقديره وتسهيل كل العقبات امامه. وليس من شيم الأردني الاستغلال او خيانة الأمانة فهي قضية مبدأ لا يتنازل عنه مهما كان الثمن، ولا يوجد بيننا من يبحث عن مكاسب شخصية او انتهاز فرص على حساب الوطن العزيز على قلوب الجميع، ان الوعي بأهمية دور المجتمع في الترحاب بالمستثمر له الأثر الأكبر في جذب المستثمر. واقصد بالمجتمع الداعم للاستثمار هو كل فرد يمكنه ان يتصل او يتعامل مع المستثمر الأجنبي او المحلي على حد سواء.
روى لي أحد الأصدقاء قصته حيث ذهب لشراء شقة في تركيا، وبالفعل اتفق مع المالك على شراء الشقة بسعر 40 ألف دولار، ولدى ذهابه لتسجيل الشقة في البلدية، رفضت البلدية التسجيل الا بإيفاد مندوبين من طرفها للتحقق من الشقة ومدى جودتها ومطابقتها للمعايير، واوفدت ثلاثة مقيمين لتقييم سعر الشقة وحماية المستثمر الأردني، وهنا أؤكد ان مجرد هذه اللفتة من الحكومة لهي كفيلة بتزويد المستثمر بالثقة التي تعزز استمراره في الاستثمار. إن طرق التشجيع والجذب والحماية تتنوع في كثير من الدول الجاذبة للاستثمار،
اننا كمجتمع أردني جاهزين لأن نكون مجتمعا استثماريا من الدرجة الأولى بسبب وجود الخصال النبيلة والطيبة والامينة لدى كافة افراد المجتمع.
خلاصة القول : فإن نهضة الاقتصاد تبدأ من الاستثمار وتشجيع المستثمر الأجنبي والمحلي للدخول في مشروعات إنتاجية صناعية تواكب التطور التكنولوجي والعلمي والمعلوماتي الذي نعيش، وهذا يزداد أهمية في الأردن لأنها تمتلك الثروة الأكبر والاغلى وهي الانسان القادر والجاهز للعمل الاحترافي والابداعي والتطوير لكافة الاعمال اذا اتيحت له الفرصة ، وخير شاهد على إمكانية الجذب للاستثمار هو ما حصل مع دول من دول العالم الثالث كانت تعاني من ظروف اصعب من ظروفنا مثل الهند والبرازيل والأرجنتين وغيرها واستطاعت النهوض باقتصادها وتحسين الظروف المعيشية لمواطنيها عن طريق جذب الاستثمارات. وللحديث بقية .....