حتى لا تعود الأشباح الى شوارع عمان
02-11-2009 11:38 AM
من المعيب أن تعود الأشباح الى شوارع عمان لتفتك بالمدنيين العزل ، أو أن تعود حكاية " أبو شاكوش " لتدق على باب كل صباح بجريمة اعتداء .. بعد عقود طويلة من الأمن والأمان والاستقرار والطمأنينة التي خلقها الشعب المسالم ، وعقلية الدولة المتصالحة ..
فإما أن نكون دولة رجال ، يتقارع الرجال مع الرجال ، وتحمي الدولة مواطنيها ، وتضمن لهم حرية الرأي ، ونتكاتف جنبا الى جنب لمواجهة تحدياتنا، كما تضمن لهم المحاكمة العادلة والسجون الحديثة ، وإما فليحتمي كل رجل وراء ترسانة صغيرة من الأسلحة البيضاء والحمراء لحماية نفسه من الهوام ...
في الأردن .. هناك شعب قائم بذاته منذ الحكم العثماني ، أي قبل قيام الدولة الأردنية ، وفي عام 1946 تحددت هوية الدولة وهوية الحكم وهوية الشعب وحدود الوطن ، والجميع قـَبِل بالجميع ، وعلى الرغم من عمليات الاغتيال التي نفذتها عصابات خارجة عن الأخلاق ، حينما اغتالت عددا من الشخصيات الوطنية في الداخل والخارج ، تحت جنح الضعف والإهمال والحيط الواطي للدولة الأردنية آنذاك ، فإن الأردن الدولة الرسمية والشعب لم يعرف ثقافة الاعتداء المجهول ، بل كان أعداء الوطن والقضية هم الذين يتبعون تلك الأساليب خدمة لجهات مشبوهة قبل أن تكون أفعالهم ، بدافع الحقد على أنفسهم وعلى إخوانهم .
.
في الأردن السابق لم يكن هناك "صالونات " ، كان هناك "مضافات" في المدن والقرى، وهناك "الشق " في بيوت الشيوخ في البوادي ، تلك المدارس والجامعات التي خرجت رجال لا يخشون قول الحق ، ولا يسقطون في مزالق النم والكذب والافتراء أوالدلع الرسمي .. كان الأردن يعج بالرجال الذين يأكلون الشوك ويصبرون على النار .. ولا ينتظرون جهة ما تقيم أداءهم ، ولا تتملق لهم ، ولا تضع لهم إعلانات الشكر .. أولئك الرجال هم من صنع هذا الوطن للببغاوات والقطط السمان ، والمغفلين ،والمفرطين ، وباعة الأحلام و خونة الأوطان ، وأعداء الله والعروبة والتاريخ ، وأعداء الرجولة والأنوثة ، وأبناء الوطن الكرام ، والمسؤولين المحترمين ، والمنتمين المخلصين ، والنائمين في وطن " الأعراف " .
اليوم عامة الشعب هم سلالة لأولئك الرعيل الطيب الذين تكاتفوا مع النظام لبناء دولة محكمة حكيمة .. وهناك فئة خرجت فبان ناديها " إما حَمّارّة وإما زَمّارّة " .. وبين هؤلاء وهؤلاء هناك فئة لا مع الحمارّة ولا مع الزّمارّة .. ولكنها من النوابح يفزعها حفيف الأشجار ، وتتعالى أصواتها بعد الانفجار .. تتراكض مع هذا الى هنا ، وتتراكض مع ذاك الى هناك ، كأبله الحارة .. تتهم بلا دليل .. وتكيل الأحكام على الناس بلا وكيل .. ثم لا تنفع " الدولة " بدينار ، لا ولا بدرهم ، ولا حتى بـ"شلن " مع إن الشلن وإخوانه أصبحوا شلة تتراكض الى مجالسهم و"غرزهم " تلك الشخصيات الكرتونية التي صنعها مجتمعنا " العشائشي " وأوصلوهم عبر الأكتاف والهتاف الى مناصب تحولوا فيها الى جلادين بالصفة الرسمية ، في زمن تحول الجـَلد فيه بإصدار القرارات المجحفة بحق المواطن ، أو حرمان الشعب من أقل حقوقه لمنحها الى " الشلن " وأخو الشلن وابنة الشلن ، وعصابة " الشلون " جميعهم .
وعلى يقيني بأن مدمن الهيروين لن يتوب أبدا مهما عالجوه إلا من رحم الله ، واسألوا مراكز العلاج وإدارة أمنية تعنى بشؤون المخدرات والمخدرين والمخدرجية والحشاشين وزبائنهم ، مع يقيني هذا ، فإنني موقن أيضا بعدم جدوى الصراع الذي نخوضه من أجل الإصلاح ، فلن يصلح الظل والعود أعوج ، يجب ان يكسر العود وان يعاد تجبيره بطريقة صحيحة ، وإلا فلنبدأ نزرع أعواد جديدة مستقيمة النهوض دون اعوجاج ، ليس من أجلنا ، فنحن لن نأكل من زرعنا ، ولكن من اجل الأجيال القادمة إذا قدر لها أن ترى النور .
على مدى أسبوع مضى حدثت حوادث ، كشفت زيف الواقع .. كماء منهطل كالدلاء من فم السماء ، فبان الخلل والغش في شوارع المدينة ومجاريها ، حيث تكشف عجز الدولة عن أن يكون لها صدر واسع فتتحمل ، ان كان لها صدر أصلا .. فهل ضاقت الدولة ذرعا بفرد أو مجموعة أفراد ، حتى عجزت أن تحاورهم ، وتقارعهم الحجة ، و" تلعن سنسفيلهم " على الملأ ودون خوف أو وجل .. هل وصل الحد من الرعب ، ان تختبىء الدولة ، لتترك الساحة للهوام والعوام ليبطشوا ، أو يعقدوا الصفقات ، وأن يورثوا المناصب ، وأن يجعلوا من أنفسهم آلهة من جحيم تحرق الأصبع الذي يؤشر عليهم ؟
أعود للقول إنه من الخطأ الفادح والغباء الفاحش ان تراهن الدولة على صبر الشعب ، لأن الصبر تحت ضغط التصبير ، سيؤدي بلا شك الى انفلات عقال المجتمع ، ورب شرارة أحرقت غابة ، ثم مئة ألف سحابة حكومية لن تطفئها ، لذلك يجب ان لا يتعامل المسؤول الحكومي على أساس إنه موظف يقبض راتبه وكفى ، بل إن هناك مسؤولية وطنية أخلاقية ، لا تقدر براتب ولا رتب ، يجب ان يفهمها نفر من الذين يستسهلون لي أذرع الناس ، أو إقصائهم ، وحان الوقت أن يفهموا توجيهات ورسائل الملك التي تؤكد على حق الأردنيين جميعا .
جميعنا نحب هذا الوطن ، والكل في كل مكان سكب الدمع وأجرى الدم ، فداء للوطن ، ولكن أن تختطف الوطن فئة معينة ، فيصبح الوطن " براءة اختراع " ويسجل الانجاز لجهة ويحرم سواد الناس فتلك مظلمة ،، ولأننا نفكر بعقولنا ، ونحب بقلوبنا ، فإننا نحب الوطن الإنسان ، ونقف مع النظام العادل ومظلته التي يتفيؤها شتى المواطنين الاردنيين الرسميين منهم والشعبيين .
لذلك فعلينا من الواجب أن ننبه الى إن الخطأ لا يعالج بخطأ ، وإن الترهيب لا يفيد ، بعدما أغدق المعنيون بالترغيب وإرضاء الرغبات وفتح الأبواب على مصاريعها لكل من هب ودب ، ان ينهش فينا ، فأين يد البطش من الفاسدين ، وأصحاب الثروات الحرام ، ومن المهدرين المال العام وأموال الدولة على مشاريعهم الفاشلة التي غطت بطونهم الجرباء وأياديهم القذرة ...
Royal430@hotmail.com