في إحدى قصصه الساخرة الرائعة يصف الكاتب العالمي الساخر عزيز نيسين الوضع المأساوي الذي وقع فيه البطل حينما سكن بيتا يقع تماما على الحد الفاصل بين سلطتين مختلفتين، لذلك كان اللص يدخل ويخرج بعد ان يحصل على ما يريد وينام أحيانا، دون ان تستجيب الجهات الأمنية لنداءات صاحب البيت، إذ كل مخفر يدعي – وربما يكون على حق-بأن هذا البيت يتبع إلى سلطة الإدارة الأخرى.
الغريب ان ما يشبه هذه القصة تماما حصل في مدينتي مادبا قبل سنوات، حيث سرقت اغنام من منطقة فاصلة بين ادارتين، ولم يستطع صاحب الغنم إيجاد السلطة التي تتحمل مسؤولية حماية هذه المنطقة (الجبيل)..وكانت كل إدارة تحيله الى الثانية حتى ضاعت لحاه بين حانا ومانا.
ما علينا!
قرأت هذه القصة قبل سنوات عديدة .... ... وقد تكون بعض التفاصيل مختلفة عما ذكرت ،لكن الفكرة هي ذاتها خص نص .. كان بطل نيسين فردا يعيش مأساة في منزل صغير يقع على الخط الفاصل بين إدارتين .. كان البيت مستأجرا، ويستطيع الرجل ان يستغني عن التعب وهم البال بترك البيت واستئجار بيت آخر لا يجروء اللصوص على دخوله.
لكن ماذا نفعل نحن الذين نعيش في أوطاننا وبيوتنا التي لا نستغني عنها وليس لدينا غيرها ، لكننا نعيش محشورين بين عصرين وزمنين مختلفين ، كل زمن يعلن عدم مسؤوليته عن حالنا الذي لا نحسد عليه ، إذ بينما يتنافس الفاسدون المفسدون على فرم لحومنا وفصفصة عظامنا، تدعي الحكومات أنها بحاجة إلى أدلة ووثائق ومستمسكات قانونية ... هذا حق ، لكن الحكومة هي التي تملك مؤسسات مكافحة الفساد المتعددة ، وهي التي عليها ان تبحث عن الأدلة والوثائق والمستمسكات القانونية، وتقدمها للمحاكم المختصة.
اصحاب الأفكار والايديولوجيات المتنوعة يتنازعون ويتصارعون من اجل (فرض) وجهات نظرهم ، ثم يتصالحون ويتمالحون بينما لا يتضرر سوى الشعب الذي يعيش في الوسط .. في المكان الخالي من السلطات.
مجرد فكرة ان تعيش في الوسط المحايد ....تشعرك بالحياد التام وانعدام الوزن في منطقة تنقلب فيها جميع قوانين الفيزياء رأسا على( كعب).
الدستور