عدد السنوات السعيدة في حياة "جبر"
د. موسى برهومة
02-11-2009 03:49 AM
أفادت الأنباء قبل أيام أن كوستاريكا احتلت صدارة الدول التي يتمتع سكانها بالسعادة، لأن هؤلاء يعيشون أطول سنين سعيدة أكثر من بني جنسهم في 148 بلدا آخر، وفق بحث أجري في جامعة "إيراسموس" بمدينة روتردام الهولندية.
الباحثون الذين أدرجوا، في دراستهم الميدانية "السنوات السعيدة" التي شملت أكثر من 95% من سكان العالم، معدلات تقييم الحياة ومعدلات العمر المتوقع، سألوا سكان تلك الدول عن مدى سعادتهم، وعن الفترة التي ينوون البقاء فيها ببلدهم الحالي.
وكشفت الدراسة أن معدل السنوات السعيدة في كوستاريكا 66.7 سنة، تليها أيسلندا 66.4 سنة، ومن ثم الدنمارك 65 سنة.
معنى ذلك أن معدل السعادة في حياة الكائن في تلك البلدان يبلغ أكثر من 75% من سنوات حياته منذ إطلالته الأولى على الحياة حتى نزوله القبر.
ولا أدري لماذا تذكرت المثل الشعبي البذيء عن "جبر" الأردني أو العربي، لا فرق، والذي أمضى الحياة في عناء ومكابدة وهموم من المهد إلى اللحد. فبحسب دراسة "السنوات السعيدة" فإن ثمة علاقة وثيقة بين مستوى السعادة والصحة، فيما تحتل الثروة والتعليم المركز التالي بعد السعادة، فأين جبر من هذين الركنين، وهو الذي أفنى عمره في التعب وملاحقة لقمة الخبز وسد الأفواه الجائعة لأطفاله الذين اغتالت الشوارع براءتهم؟
حتى عندما كان "جبر" يبتسم عرضاً أو خطأً، كان يتعوذ من الشيطان الرجيم، ويدعو الله أن يكفيه شر هذا الضحك اللعين!
وكانت دراسة أجرتها (بي بي سي) مؤخرا ذكرت أن 81% من المشاركين في استطلاع عن السعادة طلبوا من حكومتهم أن تركز أكثر على ما يجعلهم أكثر سعادة وثراء.
وكيلا يجرجرني "جبر" وحكايته إلى شجب سياسات حكوماتنا الرشيدة التي أفقرت البلاد والعباد، فإنني أعود إلى كوستاريكا لأذكّر بأنها تقع بين القارتين الأميركيتين الشمالية والجنوبية، وأن حوالي مليون سائح يزورها سنويا، نظرا لما تمتاز به من مناظر طبيعية وخلابة، حيث تشتهر بالأنهار والشواطئ الجميلة والغابات الطبيعية الساحرة التي تغطي ربع أراضيها، ما يجعلها مقصدا شهيرا للسياحة البيئية.
ويبلغ عدد سكان كوستاريكا 4.4 مليون نسمة. وهي تتمتع بمستوى عال من النمو الاقتصادي بين دول أميركا الوسطى، وتعد السياحة والتجارة الخارجية وصناعة الخدمات العمود الفقري لاقتصادها الوطني.
ولا يحسبن أحد أنني أورد هذه التفاصيل لأقيم تماثلا بين الأردن وكوستاريكا، رغم أن هناك ما يحفز على إقامة مثل هذا التماثل. أنا فقط أتأمل فيما يجعل الناس في ذلك البلد الواقع في برزخ أميركا الوسطى سعداء أكثر من سكان الدنمارك، وسويسرا، والنمسا، وأيسلندا، وفنلندا، والسويد، وبريطانيا، وأميركا، والصين، واليابان، وبماذا يختلف "جبر" عن "خوليو"؟
الجامعات في الدول العربية غير مشمولة ضمن أفضل 500 جامعة في العالم، والحريات في العالم العربي في تراجع، وفي مقدمتها حرية الصحافة والتعبير، وهناك أكثر من 60% من سكان الوطن العربي يعانون من الأمية، وثلثا هؤلاء من النساء، ومن بين الدول الـ 148 الأكثر سعادة، لا توجد أي دولة عربية.
ورغم تركز أغلب الثروة والمال والنفط في العالم العربي، إلا أن ذلك لم يجلب لكائنات تلك الأقطار الصحة ولا التعليم ولا التمدن ولا الرفاه ولا السعادة.
إذن لا تلوموا "جبر" حين يختصر حياته بأربع كلمات واحدة منها يعفّ القلم عن ذكرها، مع أنها تصلح على نحو "يفش الغل" لشتم حالتنا، والبكاء على سنوات عمرنا الضائعة وغير السعيدة أبدا!
m.barhouma@alghad.jo
* الزميل الكاتب رئيس تحرير يومية الغد..