للمواطن الأردني ربٌّ يحميه!
د. محمد أبو رمان
02-11-2009 03:29 AM
بعيداً عن الموقف السياسي الراهن والاستفزاز الإسرائيلي المستمر للفلسطينيين والأردنيين، وما يحدث في القدس من انتهاكات لحرمة المكان والإنسان، ومخططات لتهويد المدينة المقدسة، فإنّ هنالك جانباً إنسانياً لا بد من مراعاته في التعاطي الرسمي والإعلامي والمجتمعي مع الجرحى الإسرائيليين بحادث السير في الأردن.
الاهتمام الرسمي ومنح الرعاية الصحية الكاملة والتعامل الإنساني كل ذلك شطر معروف ومستقر في التقاليد السياسية الأردنية، التي تفصل (تماماً) الجانب الإنساني عن السياسي، وتُغلّب الإنساني دوماً، وهي تقاليد نحترمها ونُقدرها وتشكل جزءاً أساسياَ من قيمنا وعلاقتنا بالداخل والخارج على السواء.
ما ليس طبيعياً، ولا من التقاليد الأردنية، تلك الجرعة الزائدة، غير المفهومة من الاهتمام الرسمي المبالغ فيه بالجرحى الإسرائيليين، بما يتجاوز "الحمولة الإنسانية" المقبولة، بل والمطلوبة مع كل السياح وكل الوافدين، وليس فقط ذوي جنسية معينة، إلى حدود تصل إلى اعتباره "رسالة سياسية".
المفارقة المحزنة أنّه أول من أمس، أيضاً، وقعت حادثة (تدهور تريلا في ماركا) راح ضحيتها مواطنان وحصدت ثماني عشرة إصابة من بينهم أطفال صغار، لم يطمئن على أحوالهم أي مسؤول، ولم يكلّف رئيس الوزراء نفسه الاطمئنان (ولو هاتفياً) على هؤلاء المصابين، ومواساة أهاليهم، بينما انهمرت إنسانيته بغزارة على السياح الإسرائيليين، وأصدر تعليمات وتوصيات حازمة بوضع كافة الصلاحيات بيد المحافظ للعناية بالسياح وتوفير ما يريدون!
تلك المفارقة بين الاهتمام الرسمي بالمصابين الإسرائيليين والأردنيين تثير الحساسية والاستياء لدى الرأي العام الأردني ولكل المواطنين، تعكس الفوقية واللامبالاة التي يتعامل بها المسؤولون مع المواطنين، الذين باتوا يصرفون من ضرائبهم وجيوبهم على الدولة ومسؤوليها وموظفيها، لا العكس.
المفارقة تأخذ مدى أوسع وأصعب عندما نقارن ذلك الاهتمام الرسمي بالمصابين الإسرائيليين والتجاهل الرسمي السافر لحادثة الاعتداء والضرب التي تعرّض لها المعارض السياسي ليث شبيلات، في وسط عمان، قبل أيام قليلة من تلك الحادثة.
من المفارقات الكثيرة أيضاً (المتخم بها المشهد السياسي هذه الأيام!) أنّ شبيلات كان قد تساءل في رسالته لوزير الداخلية الذي لم يقم بزيارته (ولا أي من المسؤولين)، عن الاهتمام الرسمي فيما لو وقع اعتداء بعد أيام قليلة على سياح إسرائيليين!
لم يخيّب المسؤولون ظنّ شبيلات وأجابه (بالممارسة الواقعية) الرئيس والوزراء والمحافط وكافة المسؤولين، والحمد لله أنه كان حادث سير عارض، ولم يكن اعتداءً آثماً، وإلاّ لرأينا سيارات الحكومة تتقاطر فرادى وزرافات أمام مستشفى النديم بمادبا!
ماذا لو كان سياح أردنيون هم ضحايا حادث سير في "إسرائيل"، هل سيتصل بهم نتنياهو (مثلاً) مباشرة، ويكلّف وزير الصحة وباقي الوزراء والمسؤولين بتأمين كافة المتطلبات لهم ومنحهم الرعاية الكاملة؟!
بل هل كان سيهتم بهم المسؤولون الأردنيون هنا، وهم لم يزوروا ضحايا أردنيين لحادث سير مروع وقع في عمان؟!..
أيها السادة: للمواطن الأردني ربّ يحميه!
m.aburumman@alghad.jo
عن الغد ..