ظهر مصطلح اليوتوبيا لأول مرة في العصر اليوناني ومعناه اصطلاحاً " المدينة الفاضلة " ، حيث كان يهرب الفلاسفة اليونان من مشاكلهم ويواجهونها بضرب من قصص الخيال ، تحكي عن مدينة لا وجود للحزن فيها ، يكون قانونها سيد الجميع ، ويكون الناس سواسية فيها ، وبالرغم من وجود أكثر من نموذج " للمدينة الفاضلة " ، فهناك نموذج لأفلاطون وآخر لتوماس مور ، فمع اختلاف تفاصيل تلك النماذج ، تكون الغاية منها واحدة ، وهي مدينة " سعيدة " خالية من العيوب .
على الرغم من إستحالة وجود مكان " فاضل " بشكل كامل ، لكن ما الذي يمنعنا من امتلاك الطموح للوصول " تقريبا " للمدينة السعيدة ؟ ، علينا هُنا معرفة الأسباب الي تمنعنا من تحقيق ذلك الحلم .
في الحقيقة هناك عِدّة مشاريع تهدف لخدمة المجتمع مطروحة في عمّان أو تحت التنفيذ ، لكن - للأسف- نسبة كبيرة منها لم ينتهي بعد وعدد قليل منها اكتمل لكن بعد وقت طويل جدا ، وأشهر تلك المشاريع التي لم تكتمل بعد مشروع الباص السريع ، ذلك المشروع الذي مرّ على إطلاقه ما يُقارب العشر سنوات ، وقت طويل جداً أثّر على ثقة المجتمع باكتمال ذلك المشروع ، وأدّت الحفريّات " المتقطّعة " إلى حدوث اختناق مروري حادّ ، في نهاية الأمر ، علينا إيجاد حلول لكابوس " المشاريع " الغير مُنتهية لأنها تقف عائقاً أمامنا للوصول إلى مجتمع سعيد .
باقي على قدوم الشتاء أشهر قليلة ، والشتاء في عمّان يذكّرنا بالبُنية التحتية الغير مُجهّزة لاستقباله ، ويُذكّرنا بالمناهل التي تفيض بما فيها على الشوارع ، مُعلنةً تعطيل حركة السير ، أو إغراق المحال التجارية وإتلاف بضائعها كما حصل قبل عدّة أشهر ، ناهيك عن الشوارع الي تتشقق بعد أول " شتوة " فاضحةً الفساد الذي طغى على مجتمعنا .
حتى لو قررنا السير على الأقدام في أيّام الشتاء مثلا ، تفادياً " للأزمات " ، فالأرصفة في العاصمة غير ملائمة للمشي ، فهي إمّا " مكسّرة " أو مُكدّسة بالكراتين والأوساخ .
يبقى الجانب الثقافي وهو الأهم للوصول إلى غايتنا ، فعمّان مدينة بلا " روح " ثقافية ، يزيد فيها عدد المقاهي والبُنيان على عدد المتاحف والمكتبات ، فهي تفتقر إلى " نكهة " تاريخية تزيد من ثقافة مجتمعها ، فقد أصبحت " غابة " من العمران والسيارات ، ومع تقدّم الوقت ستصبح عمّان مدينة غير صديقة للبيئة بشكل تام ، وعلى الرغم من صُغر مساحتها ، حيث أنّها الأصغر بين شقيقاتها المحافظات الأخرى ، إِلَّا أنّ فيها أكبر تجمع سُكاني ، ذلك الحشد الكبير الي يقطن فيها ، ما هو إِلَّا جزء من ثقافة خاطئة جعلت من بقية المحافظات ، مُدن " أشباح " بنظر الناس ، خالية من أي تطور أو فرص للنجاح .
في السابق كانت الأمم تُقيم المقابر في وسط المدينة ، لكي تتوسع مُبتعدةً عنها ، لكن في عمّان المقبرة الرئيسية فيها - مقبرة سحاب - أُقيمت بعيدا عن مركز المدينة ، لكن مع التوسّع الغير " مدروس " في البُينان ، تكاد عمّان من الوصول للمقبرة ، هُنا علينا التدقيق في كميّة المساحات المهدورة في عمّان ، وتحول مناطق " خضراء " إلى مناطق تعجُّ بالسكان ، فالعمارات السكنية " أكلت " نصيبنا في جود متنزّهات قومية وحدائق عامة ومساحات خضراء ، وللأسف كلّما اقترب عمّان من المقبرة ، اقتربت روحها معها إلى القبر ، لتصبح في النهاية ، مدينة " آلية " خالية من شعور وتعاطف .
اليوتوبيا في الحقيقة خيال ، لكن إذا تم مُعالجة جميع تلك المشاكل في عمّان ، من الممكن أن نقترب أكثر لشكل المدينة الفاضلة ، التي تحتوي على روح ثقافية ومشاريع فعّالة وتوسّع مدروس ، والأهمّ من كل هذا ، قانون فوق الجميع .