عن فرسان ليبرالية الزمن المعلوماتي
مالك العثامنة
01-11-2009 04:57 PM
مدهشة جدا هذه الثورة المعلوماتية التي عصفت بالعالم ولا تزال! وكأي ثورة، فإنها تبدأ مرتبكة وتتسم بفوضى الأدوار حتى تتسق في النهاية نظاما واضح الملامح، ونحن لا زلنا في الجانب المعلوماتي منها مرتبكين نتخبط بفوضى الأدوار.
في الغرب، فوضى الأدوار عنوانها يتمحور حول الريادة بين الصحافة الورقية والإلكترونية، على أسس تجارية تتعلق بالتوزيع والإعلان، وهذا منطقي في أنظمة سوق مكتملة التكوين.
أما لدينا، وفي غياب أنظمة سوق، وفي ظل حالة جنينية طويلة الأمد، فإن فوضى الأدوار تأخذ شكلا يتماهى وحالتنا الجنينية، وبسذاجة تتمحور تلك الفوضى الخلاقة حول الريادة في الزعامة المعلوماتية، فالمعلومة باتت سلطة وقوة، لكنها أيضا باتت متاحة ومشاعة، لكن البعض ممن امتطوا ليبرالية الزمن المعلوماتي يعتقدون بل ويؤمنون أن المعلومة يمكن أن يكون لها زعماء وقادة، وان الثورة المعلوماتية يجب أن يكون لها بيان ثوري، ومجلس ثوري، وقيادات خالدة...!! فرسان ليبرالية الزمن المعلوماتي، المتأنقون بربطات عنق، ولغة إنجليزية سليمة ومعافاة، وقدرة لا بأس بها في التحكم بلوحة مفاتيح الكمبيوتر، ومدججون بقائمة طويلة وألفية من العناوين الإلكترونية حول العالم، تناسوا أن كل ما ذكر لا يتعدى كونه أدوات وليس أركانا أو عناصر قيادات ثورية، وهذه الأدوات لا تعطي الشرعية بالسلطة، في عالم تتدفق فيه المعلومات بحرية وبدون حاجة لوصاية من أي ولي فقيه ليبرالي! غفل هؤلاء الليبراليون في زمن الثورة المعلوماتية عن حقيقة مهمة مفادها أن العالم كله وبضرورة السياق التاريخي أصبح ليبراليا، بالمعنى الحقيقي والصحيح للكلمة التي تجنت السياسة على معناها فشوهتها، وأن الصفة الليبرالية التي يستخدمها هؤلاء مضافا إليها الأدوات التي اعتقدوا أنها فرمان شرعيتهم، لم تعد تكفي للإحتيال على خلق الله وسحب الأموال اللازمة تحت مسمى مشاريع لاستئناف ثورة التنوير التي يزعمون القيام بها.
لدينا من يعتقد أن لواء معركة التنوير والتثقيف معقود بين يديه، وهو يدرك بذات الوقت أن الطريق للثراء السريع هو بالراديكالية وإعلان الثورة والانشقاقات بلغة عصرية تتحدث عن قيم الحرية والتعبير عن الرأي! المعلومات متاحة للجميع، وبكل أشكالها وصيغها الممكنة في العالم، وهي لا تحتاج وصاية ولي فقيه، يتشاطر بوصفات علاجية ليقود الإعلام نحو حرية هي أصلا متاحة شاء من شاء أو رفض من رفض.
خلاصة القول، هي فوضى خلاقة، ضرورية في سياق ثورة كونية في التدفق المعلوماتي، وهي بلا شك بحاجة إلى نسق تنظيمي للأدوات لا أكثر، أما البيانات الثورية والانشقاقات الراديكالية لإثارة الضجيج ولفت الانتباه التمويلي فستبقى زائدة بلا معنى، وثوارها وإن أغراهم تمويل من هنا او هناك، فهم مكشوفون لأن المعلومة دوما متاحة، وللجميع.
mowaten@yahoo.com