عندما يكون مقياس (المواطنة الأمريكية) هو مدى الولاء لإسرائيل، فأن البوصلة الأمريكية التي رفع شعارها الرئيس ترامب، أمريكا أولاً، تكون تلك البوصلة قد انعكست عن اتجاها... أو صوابها... فقد ارتجل (ترامب) مؤتمراً صحفياً أمام البيت الأبيض ليعلن منجزاته في خدمة إسرائيل، لا أمريكا، بدءاً بالقدس، وإيران وصفقة القرن، وهي أمور لم يتمكن اي رئيس سابق من القيام بها، فأنا: (مسؤول عن أشياء عظيمة لإسرائيل)، وأن أي شخص يتجاهلها في أي معركة انتخابية أمريكية... هو خائن جداً لإسرائيل... وبعيد حقاً عنها... وهكذا، أصبحت إسرائيل (أولاً) في السياسة الأمريكية الترامبية).
*تتزامن هذه المواقف مع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية (17/9) وما ينتظر أن تنتهي إليه، بفوز أكثر وضوحاً لليمين الإسرائيلي- وفشل آخر لقوى الوسط واليسار، فثمة (59%) ممن يحق لهم المشاركة في الانتخابات القادمة يصنفون بانتمائهم لجناح اليمين، وبينما تعتبر قوى الوسط واليسار في المجتمع الإسرائيلي أنها تمثل العلمانية والقيم الديموقراطية الإسرائيلية، فأن الطرفين: اليمين وتجمع الوسط واليسار يتفقان على قضيتيْ الأمن الإسرائيلي، والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وذلك برفض (حل الدولتيْن) وبدعم المستوطنات والمستوطنين، وبخاصة في مواجهة اتجاهات المقاطعة (BDS) التي تنشط في المجتمعات الغربية، وبخاصة الأكاديمية.
* وتظل قضية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني محور التنافس اليميني – الوسطي اليساري: وبالإضافة إلى أن إنهاء ذلك النزاع يقوم على انتهاء حل الدولتيْن، فأن اليمين الإسرائيلي يتمسك بمبدأ الضم، ضم المستوطنات أولاً، ثم التهيئة لضم (الضفة)، كما أن الطرف الأخر يحاول إبقاء موقفه في منطقة رمادية، كموقف انتخابي بالدرجة الأولى.
* ويظل (المستوطنون) القوة الكامنة في دعم اليمين: ذلك أن نسبة مشاركتهم في الانتخابات العامة تزيد على (90%)، مما يجعلهم عنصراً فعالاّ في العملية الانتخابية من جهة، وقوة مؤثرة في رسم السياسات التي يعتمدها اليمين من جهة أخرى، فهم يتمسكون بمبدأ (البقاء للمستوطنات)، والدفاع عن (جبل الهيكل)، ومواصلة الاقتحامات للحرم القدسي الشريف، وهي عناصر أساسية في السياسة الإسرائيلية.
* أما مستقبل الصراع العربي- الصهيوني فيبدو أنه أصبح قضية هلامية، من وجهة نظر إسرائيلية، ذلك أن إسرائيل تشعر أنها لم تعد العدو الأول بالإجماع العربي الرسمي، مع إدراكها أنها العدو الدائم من وجهة نظر شعبية عربية- وهذا يمنحها فرصة لاستثمار هذا الواقع في تعزيز وجودها- من جهة، كما أن كسر حاجز التطبيع، وأنه لم يعد من (المحرّمات) في بعض السياسات العربية من جهة أخرى، يمكنها من تكثيف أنشطتها وتغلغلها في المحيط العربي الرسمي، متجاهلة الرفض الشعبي المطلق للتطبيع... ومما يلفت النظر، أن هذه الانتخابات تأخذ اهتماماً أمريكيا... وترتبط بخطة العدوان الأمريكي المتمثل بصفقة القرن على الأمة العربية، ولكنها لا تحتل الاهتمام العربي الذي ما زال متمسكاً بحل الدولتيْن وبانتظار الجانب السياسي من صفقة القرن، دون التحرك السياسي، الدبلوماسي على الأقل، فيما اذا فرض الحل الأمريكي الذي لا يعترف بحق الفلسطينيين في إقامة دولة، ولا يهتم بالشرعية الدولية وقراراتها في حل (النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي) على أساس (حل الدولتيْن). (الدستور)