facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




من اجل عينيك عشقت الهوى .. الدلالات والمآلات


د. عادل يعقوب الشمايله
02-09-2019 09:03 AM

ترتكز الاعمال الغنائية الكبيرة على أربعة اركان: ركنان إبداعيان وركنان إحترافيان. الركنان الابداعيان هما الكلمات التي يُنتجها بفكره وثقافته وإلهامه شاعر مُتميز، ولحنٌ يبعث الحياة في كلمات القصيدة يضعه مُلحنٌ فذ. أما الركنان الإحترافيان فهما أداءُ المغني وأداءُ الفرقة الموسيقية. هذا التوصيف ينطبق على معظم أغاني أم كلثوم وفيروز وعبدالوهاب وعبدالحليم ووردة الجزائرية ونجاة الصغيرة ووديع الصافي.

أُغنيةُ من اجل عينيك عشقت الهوى غنتها ام كلثوم مع فرقة موسيقية كبيرة، وغناها أيضا مُلحنُ الأغنيةِ رياض السنباطي بدون فرقة موسيقية وإنما على أنغام العود. كلا ألادائين جديرٌ بالاستماع، وكلاهما يحقق الهدف وهو إطراب وإسعادُ المستمعين، رغم أن الأدائين مختلفان تماما. وكما هو متوقع، فإن أغنية أم كلثوم نالت شهرة ونجاحا أكثر من أغنية السنباطي، لأن أم كلثوم أكثر إحترافا في الاداء وهذه هي مهنتها، وأجمل صوتا. جمال الصوت لا يُخترع ولا يُشترى ولا يتطلب شهادة جامعية. إنه جزءٌ من طبيعة وتركيب الانسان، يولد معه. غير أن أم كلثوم وظفت الموهبة وهذبتها ورصعتها وارتقت بها ومعها الى اعلى الدرجات. من جهة اخرى، لولا الحان الملحنين الكبار اصحاب المواهب، خريجي كليات الفنون، لكانت أم كلثوم مجرد مغنية عادية لم يسمع بها ولم يهتم بها كثيرون.

ما ينطبق على الاعمال الغنائية ينبطق على إدارة الدولة وادارة الشركات والمشاريع الكبيرة. لا فرصة للنجاح والتميز الا بالتكامل ما بين الانتاج الفكري المتفوق من جهة، والاداء التنفيذي المحترف الماهر لمختصين وخبراء من جهة أُخرى. ولأنه من النادر ان يفلح شخص في كليهما، فقد اندثرت مئات الاغاني التي كتب كلماتها ولحنها وغناها الشخص نفسه.

في الدول الديموقراطية المتقدمة وكما هو معلوم للكثيرين، تُدار الحكومات غالبا من قبل الحزب الفائز في الانتخابات. الانتخابات تُمثلُ دائما تنافسا ما بين عدة احزاب لكل منها برنامجها الخاص بها. تتقدم هذه الاحزاب للجمهور ببرامجها التي ستنفذها خلال فترة الاربع سنوات القادمة. يختار الناخب عند الإدلاء بصوته البرنامج الذي يحقق مصالحه، وكذلك مرشح الحزب صاحب البرنامج الذي سيتولى التنفيذ، اذا وثق واقتنع بقدرته على ذلك.
من يتولى دفة القيادة يباشر على الفور تطبيق البرنامج الذي أُنتخب على أساسه. بكلمات أخرى يكون البرنامج جاهزا وهو يمثل عقدا مُبرما ما بين الحزب والناخبين. لا مكان للمفاجئات والالاعيب والفذلكات والتحزير والتجريب. البرنامج الحزبي غالبا ما يستند على ثوابت غير قابلة للتعديل لأنها تجسد فلسفة الحزب، وهوامش قابلة للمراجعة في ضوء الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتغيرة عادة. ولذلك يمكن دائما التنبؤ بدقة تصل الى 80% ببنود برامج الاحزاب المتنافسة قبل الاعلان عنها في موسم الانتخابات. من يُعدُ البرنامج إذن؟ البرنامج الحزبي هو منتج يتشارك في صنعه كوادر الحزب التي تضم مختصين لا يعملون بالضرورة كمتفرغين في مؤسسات الحزب، وكبار المسؤولين المتقاعدين ممن تقلدوا مناصب بإسم الحزب سابقا بمن فيهم رؤساء الجمهورية والوزراء، إضافة الى مراكز الدراسات المشهورة (Think Tanks) واساتذة جامعات مشهورين في مجالات اختصاصهم وبالذات علوم الاقتصاد والسياسة والادارة والاجتماع وخبراء في الشؤون العسكرية والامنية وغيرها من التخصصات. كما تُسهم في التعديلات إسهاما فاعلا أراءُ المُحللين المستقلين المبثوثة عبر وسائل الاعلام المقروئة والمشاهدة والمسموعة سواءا من خلال المقالات التي يكتبونها او الندوات طيلة فترة الانتخابات، كما ترفد ردود أفعال المواطنين العاديين الذين هم الهدف المراد الوصول اليه وإرضائه واستقطابه وبالتالي خدمته، البرامج بكوابح احيانا ومزيدا من الطاقة احيانا اخرى. المواطنون يوصلون ارائهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والرسائل التي يرسلونها للرئيس واعضاء الكونجرس والبرلمانات والاحتجاجات والمظاهرات وإستطلاعات الرأي.

في الاردن، الوضع مختلف جدا. الناس يتوقعون من الحكومة ان تضع برنامج عملها، وأن تلتزم به. هذا المطلب غير صحيح ولا ينم عن وعي بعمل الحكومة. كما أنه لا يتوافق مع مفهوم الحكم الرشيد. في الاردن يتم تشكيل الحكومة على عجل. ربما توظيفا لقوله تعالى" وكان الانسان عجولا". حيث يتم اختيار وتكليف أحد الاشخاص وبشكل مفاجئ له وللناس بتشكيل الحكومة، ويعطى بضعة أيام للملمة الوزراء. لذلك تكون التشكيلة أبعد ما يكون عن أن توصف بصفة الفريق الوزاري. بل أن الوزراء يكونون اقرب الى ألتناقض والاشتباك لانهم يمثلون اطرافا متصارعة ومتناقضة اصلا. اضافة الى انه لا يراعى التخصص العلمي والخبرة العملية عند توزيع الحقائب الوزارية وإنما الاوزان النوعية لمن نَسبَ بهم. لذلك ونظرا لعدم وجود برنامج عمل تلتزم به الحكومة، يبدأ كل وزير بتسيير وزارته بالطريقة التي تعجبه وضمن اولويات وتصورات تتكون لديه بصورة فجة، مترافقة مع نمو عقدة الأنا والشعور المفاجئ بالعظمة. بعد أن يستلم الوزير حقيبته الوزارية يبدأ العمل بالتجربة والخطأ، لأن لا أحد يبلغ الوزير بما يجب عليه عمله في مجال السياسات العامة لوزارته. طبعا هناك من يأمر الوزراء بما يجب عليهم فعله تسديدا لفاتورة توزيرهم.

من الخطأ لوم الحكومة لأنها لا تستطيع ان تضع برنامجا لعملها. فتشكيلها المفاجئ وضغط العمل والواسطات والترضيات وتسديد الالتزامات ومواجهة الدسائس عليها التي تبدأ لحظة الاعلان عن ولادتها من رؤساء وزراء ومتنفذين سابقين وأجهزة متعددة يجعل من المستحيل عليها وضع برنامج عمل موزون ومقبول علميا وشعبويا وقابل للتطبيق، يحقق نتائج مرغوب بها من الشعب أو ما يخدم المصلحة الوطنية العليا. هذا اولا. وثانيا، أن لا رئيس الوزراء ولا الوزراء مؤهلين لوضع برنامج عام وبرامج تفصيلية. البرنامج الحكومي ليس موضوع انشاء ولا قصيدة شعر ولا خطبة جمعه. أنه قد ينقل الدولة الى الامام او يعيدها سنوات الى الخلف. قد يجلب الازدهار، وقد يتسبب بالفقر والبطالة والكساد وزيادة نسبة الجريمة وترهل الجهاز الحكومي وتراجع الخدمات الحكومية الاساسية كالتعليم والصحة.

هناك اصرار على عدم تبديل هذا الثوب المهترئ. اصرار على عدم السماح بحياة حزبية فاعلة. هناك ما يزيد على خمسين حزبا. ثلاثة منها على الاقل عقائدية وهي الحزب الشيوعي الذي فشلت عالميا محاولة ترجمة فلسفته، وحزب البعث (حزب الشعارات) الذي لم يحترم شعاراته وجلب الويلات للامة، وحزب الاخوان المسلمين صاحب البرنامج الغامض، والسحري: "الاسلام هو الحل" والمُستخدم لنص في غير موضعه " لا يصلح هذا الامر الا بما صلح به أوله". متناسيا انه في اول الامر لم تكن هناك مشاكل كساد وتضخم وازمات مواصلات، ولا مدارس ولا رعاية صحية ولا حرب تجارة عالميه ولا قنابل نووية. أما بقية الاحزاب التي ظنت أن كتابة موضوع إنشاء يتضمن بعض العنواين الاقتصادية والسياسية يعتبر برنامجا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه يؤهلها لادارة الدولة. هذه الاحزاب جميعها لا يصلح أي منها لادارة دولة خصوصا وأنها فاقدة الديموقراطية حيث يعتلي كل منها زعيم أوحد من المهد الى اللحد.

من حق الناس أن يعتقدوا ما يشاؤون، ولكن بناء الدول وإدارتها يحتاج لاحزاب غير عقائدية وبرامج عمل تستند الى العلم اولا والواقع المعاش ثانيا والمستقبل المرجو ثالثا والمحيط الدولي رابعا. لذلك لا بد من توقف الحكومة عن مقاومة نشوء احزاب جادة وحقيقية، ولا خيار للشعب إن أراد الخروج من المستنقع، إلا أن يقتنع بالاحزاب وأن يشارك فيها بفاعلية وتفان لأنها الضمان الوحيد لتحقيق ما يصبو اليه.
في أغنية أم كلثوم: من أجل عينيك، استوقفتني ابيات تصف حال العلاقة بين الشعب والحكومة ولذلك اخترتها عنوانا لمقالي.
الرؤى حولنا غامت بين شك ويقين والمنى ترقص على لحن الانين
يُستشف اليأس في صمتنا آهات دفينه تتوارى بين أنفاسنا كي لا تستبينه
لست أدري، هل هو الوطن الذي أُطفأت نجومه أم الخوف من التوقيف وتفضيل السكينه





  • 1 صياح عايد العظامات 02-09-2019 | 12:54 PM

    يسلم الفكر وصاحبه

    فعلا إبداع في الاستهلاك، وبيت القصيد فيه، وابداع في التحليل، يندر من ينتبه اليه.

    ليت قومي يعلمون


تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :