السير في الأردن: منظومة فكرية تحتاج لإعادة تأهيل
أبو جون
01-09-2019 06:15 PM
واجه الأردن نحو 150 ألف حادث مروري في عام 2018 وحده؛ وهو رقم مقارب لعدد الحوادث في عام 2017، ولكنه يفوق العام 2016 بنحو 6 آلاف حادث مروري؛ هذه الحوادث تشتمل على الخسائر البشرية والمادية على حدٍ سواء. في الثلاث سنواتٍ تلك كان المسبب الرئيس لهذه الحوادث هو الإنسان؛ بنسبة تقرب الـ 97% من العناصر المسببة للحوادث في الأردن. *إدارة السير الأردنية
منذ اليوم الأول لِحصولك على رخصة للقيادة؛ هذا في حال لم تحصل على رخصتك عن طريق أحد المعارف -كما هو معتادٌ عليه- ستنطلق عبر سيارتك إلى ميدان جديد مختلف كلياً عمّا اعتدت على تعلمه من مدرب السِواقة الخاص بك، أو عما قرأته في الكتاب النظري لقواعد السير وأولويات السائقين، أول ما ستواجهه هو إشكالية الأولويات؛ لقد تعلمتَ على سبيل المثال أن أولوية منطقة الدوار لمن هم في داخل الدوار، لكن في حقيقة الأمر، سيتصرفُ العديدين على خلاف هذا الأمر؛ إذ أنهم يعتقدون أنه بإمكانهم تطويع الأولويات لصالحهم، لِيتجاوزوا جميع من هم في الدوار نحو مساراتهم دونما النظر إلى ما هو أبعد من ذلك بقليل.
قريباً ستعتاد على منظومة كاملة تعتمد على أولويات مختلفة عن جميع قواعد السير المحلية والعالمية، سيأتي أقاربك من دول أخرى ليُخبروك بأنهم لن يُجازفوا بأرواحهم من خلال تجربة القيادة في الأردن، إن الأمر فعلياً لا يعتمد على الأنظمة والقوانين الموجودة داخل الدولة، إنه يعتمد على العقلية التي ينتهجها معظم السائقين؛ "أنا فوق الجميع". لن تأخذ وقتاً كبير حتى تلفت انتباهك حالة الغضب والعصبية التي تنتاب السائقين في مجمل الأوقات، وسيكون من السهل جداً ملاحظة مشاعر التفوق التي يتصرفون على أساسها، وتعاملهم مع الطريق على أُسس شخصية، ووجود فائضٌ من الطاقة التي لا تفضي إلى شيء سوى إهدار الأرواح.
إنه لمن المحيّر عندما تراقب حركة السير من أحد المباني أن تجد أجوبة لأسئلة بديهية قد تدور في مخيلتك؛ منذ فترة قصيرة اضطرت إدارة السير لإعادة تخطيط مسارب الطريق في أحد الشوارع الحيوية في عمان؛ وبعد مراقبة الطريق لمدة 3 دقائق، كانت 8 مركبات تسير فوق خطوط المسارب من أصل 20 مركبة، هذه المشاهدة البسيطة ظاهرياً تدلل على مؤشرات خطيرة؛ ففي الأعوام السابقة الثلاث (2018-2016) تفوقت مخالفات المسارب على غيرها من المخالفات -بالإضافة مخالفات إلى عدم أخذ الحيطة أيضاً- نتج عن مخالفات المسارب وحدها في 2016 نحو 300 شخصٍ باتوا في عداد الوفيات، وشكلت في 2018 ثاني أكثر أخطاء السائقين المُسببة للوفيات بنسبة 36% من المسببات الأخرى.
عدا عن كل ما سبق؛ تتواجد نوعية أخرى من السائقين الذين يصعب معهم الجدال، نتحدث بالطبع عن سائقي القطاع العام، فهم أشخاص لهم دوافعهم الواضحة التي تحفزهم للمغامرة بأرواح العشرات من الركّاب، وغالباً ما تعتبر استراتيجيات الابتعاد عن طريق "وسائل النقل العام" هي الأكثر ذكاءاً، فالعوامل التنافسية والمادية التي تحركهم لا يمكن ردعها بسهولة.
لا يخفى على السائقين في الأردن مدى خطورة الاستهتار بقواعد السير؛ فالحملات التوعوية التي قامت بها إدارة السير على مدار عقود لم تكن قليلة، لكن التعامل مع القيادة بهذا التساهل، والاستغناء عن الأرواح في سبيل التفوق على الآخرين؛ هو في الحقيقة أمر يحتاج تدخل علم الاجتماع والتشخيص السايكولوجي لمفاهيم المجتمع الأردني، نحتاج بالفعل أن نفهم الأساس الذي يستخدم، بناء عليه، السائقون هواتفهم أثناء القيادة ليرسلوا عدداً من الرسائل غير المهمة، ونحتاج لفهم حالة الاصطفاف في الأماكن الممنوعة والتي تعيق حركة عشرات من المركبات الأخرى، ونحتاج لنسأل السائقين إن كانت الدقائق القليلة التي قد يكتسبونها في حال ذهابهم عكس السير بالفعل مجدية؟ أم أنها حالة مفرغة من قلة الصبر والتساهل غير المبرر؟ علينا نطرح الكثير من الأسئلة التي تخاطب ما يفكر به المواطنون وبناء عليه تكون عملية الإصلاح التي ننادي بها.