الاطفال ذوو الظروف الصعبة
د.حسين الخزاعي
01-11-2009 05:50 AM
تعتبر الملاحظة اهم مناهج البحث العلمي في العلوم الاجتماعية ، والملاحظة دفعتني للكتابة حول الاطفال الذين اسميتهم " الاطفال ذوي الظروف الصعبة " وهم " الاطفال اللقطاء او مجهولي النسب " ، والفضل ينسب لأهل الفضل ، حيث كان للاتصال الهاتفي الذي تلقيته من الصحفية المبدعة " سهير جرادات " من اسرة وكالة الانباء الاردنية بتاريخ 5 ايلول 2007 الفضل في لفت انتباهي لهذه الموضوع وكان محور اتصالها يدور حول رأي علم الاجتماع في قضية اجتماعية غريبة على المجتمع الاردني تتعلق في عثور احد عمال النظافة على طفلة موضوعة في كرتونه ومرمية داخل حاوية قمامة بمنطقة الدوار الثاني في جبل عمان عندما كان هذا العامل يهم بإلقائها في كابسة النفايات تمهيدا لطحنها فلولا تنبه العامل لوجود شيء في الكرتونة وقام بفتحها ليجد فيها طفلة على قيد الحياة " ملفوفة في بشكير " .
الغريب في الموضوع لماذا توضع هذه الكرتونة الموجوده فيها الطفلة في حاوية القمامة ؟! ولماذا لا توضع في مكان آمن تحت شجرة او مكان يمكن أن يصل اليه الناس ويقوموا برعاية هذه الطفلة ، هذا هو سؤال الاستاذة سهير ؟ والتي بفضل حسها الاعلامي ومتابعتها لتفاصيل الموضوع استطاعت ان تلفت النظر الى جانب الوحشية والبشاعة في الاعتداء على انسانية الانسان والتخلص من الاطفال " اللقطاء " بهذه الطريقة ، واستطاعت ان تخرج القضية الى السطح بعد ان كانت في تعشش في قاع القضايا الاجتماعية منذ سنوات ، فالجواب الذي نشر على لساني وتناقلته كافة الصحف اليومية والاسبوعية والمواقع الالكترونية الاردنية والعربية يوم 6 ايلول 2007 ردا على سؤال الاستاذة سهير انقله حرفيا " أن هذا التصرف هو نتيجة لخلل وانهيار في البناء القيمي للمجتمع ، وهو نتيجة لبعض السلوكيات غير الشرعية والتي ينتج عنها ضحايا ابرياء يواجهون الحياة بقسوة واشدها نكران الجنين وعدم الاعتراف به والتخلص منه خشية العار او العقاب الاجتماعي " .
ولان الحديث مركز على موضوع اللقطاء فان الامانة والواجب يقتضي الاشارة الى ان صحفية اخرى لعبت دورا مميزا في تسليط الضوء على هذه القضية وهي الاستاذة " سهير بشناق " الصحفية المعروفه في نشاطها وابداعاتها في طرح القضايا الاجتماعية في جريدة الراي ، فقد فتحت موضوع "اللقطاء" بتاريخ 4 اب 2004 وافردت له صفحة كاملة وكان موضوعا " ساخنا " وفي غاية الخطورة اذ ان الطفل اللقيط الذي تحدثت عنه كان موضوعا بجانب حاوية ، وعثر على هذا الطفل بعد ايام من رميه وكانت مجموعة من الفئران قد قضمت جزء كبيرا من انفه ! وهذا دفع الصحفية " سهير بشناق " ان تخصص موضوعا متكاملا عن واقع اللقطاء في الأردن والخدمات التي تقدم لهم ، ولم تقف الصحفية سهير بشناق اذ خصصت عدة تحقيقات صحفية كان اهمها ما نشر بتاريخ في 5 ايلول 2007 ، وفي 30 ايلول 2007 لتؤكد انها قضية تستحق العلاج .
وابدعت وكالة عمون عندما كانت في قلب الحدث وتابعت ونشرت كافة الاخبار التي كانت تتعلق في هذه قضية الاطفال اللقطاء ، وازيد على ذلك قيام وكالة عمون بتاريخ 3 كانون اول 2007 بنشر قصة الطفل الذي وجد داخل كيس قمامة اسودا ملقى أسفل جسر عبدون المعلق الذي يربط الدوار الرابع بمنطقة عبدون .
وقامت " عمون " في الدور الابرز في كشف المخفي في هذه القضية وخطورته عندما نشرت التحقيق الصحفي المتقصي الجريء الذي اعدته الصحفية عبير ابو طوق بتاريخ 25 كانون اول 2008 ، عندما تمكنت " عبير " من اقتحام الابواب المغلقة وتقمصت دور فتاة تتردد على النوادي الليلية وتمكنت من الدخول على الملاهي الليلة حيث كانت احدى " اللقيطات " تعمل في احد هذه النوادي وكشفت النقاب عن وجود كثير من مجهولات النسب يعملن في نوادي ليليه متعددة ، وسلطت الضوء على هذه القضية من مختلف جوانبها القانونية والاجتماعية وحقوق الانسان وتتبع حالات لاطفال لقطاء من تم احتضانهم داخل وخارجه من عائلات بديله ، واجرت العديد من المقابلات النوعية المتخصصة مع نواب ومحامين واكاديمين ومسؤولين في وزارة التنمية الاجتماعية ، وكشف هذ1 التحقيق واقع الاطفال اللقطاء ما بعد احتضانهم ،. وهذا التحقيق على رقم (9) في مسابقة صحفية اسمها " جائزة سمير قصير " لحخرية الصحافة في عام 2009 في بيروت ، وتشرفت بالحديث عن هذا الموضوع في برنامج " نبض الشارع " الذي كانت تعده وتقدمه الاعلامية " يسر حسان " وبثته قناة نورمينا الفضائية في اذار 2009 بكل جرأة وصراحة .
بعد هذه الريبورتاجات الصحفية الجريئة من الثنائي مع حفظ الالقاب " سهير " وعبير ، اجرى الصحفي عبد الرحمن نجم من جريدة السبيل بتاريخ 29 كانون الثاني 2008 في العدد 730 ريبورتاج حواري غني ومفيد لكل متابع ومهتم حيث جمع اساتذة وباحثين متخصصين في الشريعة والاجتماع والاقتصاد والتربية وعلم النفس والقضاء والامن العام واستطلع اراء مواطنين حول القضية ، وكان بحق تحقيقا صحفيا نوعيا بكل معنى الكلمة اذ ان الشفافية والجرأة كانت موجودة على صفحات جريدة السبيل التي لم تقل عن جرأة وطرح وكالة الانباء الاردنية وجريدة الراي وعمون .
وبعدها تتواصل الاضاءات والاشارات حاذ سلط الضوء عليه الصحفيان " احمد الخوالده من شيحان ، وجعفر الدقس من الدستور ، كل منهم تناول الموضوع بطريقة ملفته للنظر ومحذرة من تفاقم القضية وتؤكد على المتابعة .
في ظل هذا الحراك الاعلامي النشيط ولتسليط الضوء على هذه القضية من مختلف جوانبها ووضع النقاط فوق الحروف ، اعيد من جديد وضع النقاط فوق الحروف واضع الملف على طاولة البحث والحوار، وسوف ازيد على المعلومات التي كنت قد نشرتها في العديد من الصحف والتحقيقات الصحفية او المقالات التي كتبتها حول هذا الموضوع قبل سنوات ، واليكم المعلومات التي تؤدي الى استمرار وجود الاطفال دوي الظروف الصعبة في الاردن ولننطلق مما يلي :
اولا : التاكيد على تسمية الاطفال اللقطاء بـ " الاطفال ذوي الظروف الصعبة " لان هذه التسمية اخف وطئه علي السامع واكثر تقبلا لها من كلمة " لقيط " ، واؤكد على الوزارات والمؤسسات المعنية ووسائل الاعلام والاسر وافراد المجتمع استخدام هذه التسمية وذلك لتخفيف العنف والمشاعر النفسيه التي يتعرض لها هؤلاء " اللقطاء " ، بسبب سماع هذه الكلمة وخاصة بعد الدخول في مرحلة المراهقة لما يرافقه من نظره سلبية لهم . والعمل على توعية الناس بظروف هؤلاء الافراد واشراكهم بشكل كبير في كافة فعاليات المجتمع ، وأنهم جزء لا يتجزأ منه ، وتشجيع الاسر على تبني هؤلاء الأطفال وتعزيز النظره الايجابيه ، فيجب النظر اليهم علي انهم بشر لهم حقوق وواجبات ، وهم لا ذنب لهم لكي يتم تسميتهم في هذا الاسم " لقيط " ، فهم ضحايا انحراف فئات في المجتمع ونتاج سلوكيات اجتماعية خاطئة ، والطفل بحاجة للتربية والتنشئة الاجتماعية والحنان الاسري .
ثانيا : قضية "اللقطاء " ليست جديدة في الأردن ، وبحدود معرفتي ومتابعتي لهذا الموضوع فأن هذه الظاهرة موجودة منذ الخمسينيات ، فمؤسسة الحسين الاجتماعية التابعة لوزارة التنمية الاجتماعيه وترعى شؤون هؤلاء الاطفال تاسست في عام 1953 ، ومنذ ذلك التاريخ وعدد الحالات السنوية تتراوح بين ( 20 – 50 ) حالة ، وعدد اللقطاء الذين تم رعايتهم وتربيتهم والاشراف عليهم منذ ذلك التاريخ وحتى تاريخه بحدود ( 1200) حالة ، تم تكفيل اكثر من ثلاثة ارباعهم في أسر حاضنه وبديلة فيما لايزال الاخرون يتلقون الاهتمام والرعاية والمتابعه في مؤسسات تابعة لوزارة التنمية الاجتماعية ، وهذا يدل على تقبل المجتمع لهؤلاء الاطفال ورعايتهم والحنان عليهم، ونحن في الاردن من اقل الدول التي يوجد بها اعداد لقطاء.
ثالثا : لا يوجد دولة في العالم وحتى التي تسمح بالاباحة الجنسية تخلو من هذه الظاهرة ، ويوجد في العالم (15) مليون لقيط ، وفي فرنسا لوحدها يوجد ( 1.5) مليون لقيط ، وفي البرازيل (5) مليون لقيط ، وكافة الدول العربية والاسلامية تقر وتعترف بوجود هذه الظاهرة ، وهذا يذكرنا بالفتوى الشهيرة التي صدرت عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية برئاسة العلامة ابن باز رحمه الله في الفتوى رقم (20711) بتاريخ 24/12/1419هـ وجاء فيها : (إن مجهولي النسب في حكم اليتيم لفقدهم لوالديهم، بل هم أشد حاجة للعناية والرعاية من معروفي النسب لعدم معرفة قريب يلجأون إليه عند الضرورة. وعلى ذلك فإن من يكفل طفلا من مجهولي النسب فإنه يدخل في الأجر المترتب على كفالة اليتيم لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:[ أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا. وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا] رواه البخاري )، واستنادا الى هذه الفتوى اؤكد على ان الدولة التي لا تعتني او ترعى هؤلاء تؤثم ، ورعايتهم والاهتمام بهم فرض كفاية على الدول كافة .
رابعا : جود هذه الفئة غالباً ما يرتبط بخلل اجتماعي أو ارتكاب محظورات شرعية . يتحمل الطفل مسؤولية ما حصل قبل ان يُخلَق ، ولا يجب ان يحمل معه عارا من المهد الى اللحد . وفي المجتمعات العربية تتراوح نسبة الخيانة الزوجية ما بين (5 الى 58 % ) ، لذا فان الظروف مهيئة لتصاعد الارقام في الدول العربية كافة .
خامسا : لنتفق ان السبب في تركيز وسائل الاعلام على هذه القضية كان ينطلق من بشاعة ووحشية الطرق الجديدة التي بدأت تطفو على السطح للتخلص من هؤلاء اللقطاء وخاصة عندما وجد عمال النظافة طفلا موضوع في كرتونة داخل حاوية قمامة وهي طريقة عنيفة جدا ومغايرة للحالات التي كانت توجد في السنوات السابقة اذ ان معظم الحالات كانت توجد في حدائق عامة او تحت شجره او قرب عمارة .
سادسا : عند البحث والتقصي للوقوف على اسباب هذه القضية ومحاولة تفسيرها باعتماد منهج الملاحظة نجد ان ضعف الوازع الديني ، والإنفتاح غير المنضبط على وسائل الإعلام والقنوات الفضائية وسهولة اقامة العلاقات الجنسية غير الشرعية وغياب العقوبات الشرعية الرادعة يأتي في مقدمة هذه الاسباب ، وانحسار دور الأسرة الممتدة ( الجد والجدة والاعمام ) في التربية والاشراف والمتابعة ، التوسع الحضري والعمراني ، العزلة داخل المجتمع من ، ووجود الخادمات العازبات ( 70) الف خادمة و ( 12 ) الف حارس عمارة وافد ، بالاضافة وجود العمالة الوافدة الذكورية " العزباء " داخل المجتمع . ، ولا اعتقد أن سوء الأحوال الاقتصادية والفقر تكون سبباً في ذلك؛ لأن الظاهرة موجودة كما ذكرت منذ الخمسينيات . كما ان وقوع بعض الفتيات فريسة سواءا بالإغتصاب ، أو بالإستدراج والحب والعشق والهيام الافلاطوني غير الصادق ..الخ. غياب دور الاسرة في التوجيه والتربية والعناية والمتابعة للابناء وتوجيههم وتحذيرهم وتحذيرهن ( البنات والاولاد ) ، لا بد من اعادة توزيع الادوار والمسؤوليات الفردية في الاسرة الواحدة بانضباط وعدم الاتكالية الكاملة على الآخرين وخاصة في ظل مشاركة المرأة في العمل وخروجها من المنزل طوال فترة النهار فتوزيع الادوار والمهمات داخل الاسرة يجب ان تكون معروفه وموزعة بشكل يضمن متابعة الابناء وخاصة في ظل تعلق الابناء بالتكنلوجيا والحواسيب والبلوتوث وسهولة انتقال الصور والمعلومات بين الاصدقاء . وارتفاع العمر عند الزواج للشباب في الاردن ( 30) سنة وللفتيات ( 27) سنة وهذا يؤدي الى طول فترة المراهقة وبالتالي احتمالية الوقوع في العلاقات الجنسية غير الشرعية فالاحصاءات في الاردن تبين ان ( 10 %) من حالات الايدز تمت داخل الاردن ، وان ( 60 %) من اصابات الايدز كانت بسبب العلاقات الجنسية غير الشرعية ، والمعروف ان مرض الايدز من الامراض الجنسية الفتاكة . ولعلي ازيد على هذه الاسباب وجود ظاهرة " هروب الخادمات " من منازل " مخدوميهم " ، ومن الارقام المثيرة وجود (103.000) مائة وثلاثة آلاف خادمة ، منهن (83.000) ثلاثة وثمانون الف خادمة لم يتم تجديد اقاماتهن.واختفين في شقق عمان وغير عمان ، والمواطن الذي يجلب خادمة لا يجدد اقامتها ويفضل دفع الغرامات على تجديد الاقامة.ترى ماذا يفعلن ؟ اين يقمن؟! وكيف يعشن ويدبرن انفسهن وامورهن الحياتية والمعيشية ؟!.
وبعد ،،، ان اكثر ما يؤلم في النفس ان هذه الاسباب التي اشرت اليها والتي تتعلق في سبب وجود حالات من اللقطاء ، ونشرتها المؤسسات الصحفية المختلفة من خلال مقابلات وحوارات صحفية قبل سنوات ، وكانت ثمرة جهد ومتابعة صحفيات وصحفيين اشرت اليهم في مقالي ، اصبحت جهودهم توضع على الكتب الرسمية الصادرة من المؤسسات المعنية في هذا القطاع ، واصبح كل باحث ودارس يتناولها ويشير اليها دون اجراء اي جهد يذكر في البحث والتقصي ، واصبحت الندوات وورشات العمل والمؤتمرات تشير الى هذه الاسباب التي تؤدي الى حدوث الظاهرة التي حللناها عن طريق الملاحظة ، وبكل اسف لا تشير الى جهود هؤلاء الصحفيين او المؤسسات التي يعملون فيها حيث كان لهم الفضل الكبير في تسليط الضوء على هذه القضية المهمه جدا .
كل التحية الى " وكالة الأنباء الاردنية ، عمون ، الراي ، الدستور ، السبيل ، شيحان " ، وستبقى الصحافة اهم مصدر للحصول على المعلومة الدقيقة الموثقة والمستندة الى اراء خبراء مختصين ومتابعين تلتقيهم صحفيات وصحفيين مبدعين ، فالصحافة تكتب وتشخص الخلل وتضع العلاج وتنشر على صفحاتها الورقية او الالكترونية ، اما المؤسسات المعنية فتعقد الندوات والمؤتمرات لتعيد اكتشاف ما توصل اليه الصحفيين منذ سنوات . يا عجبي ؟!
الكاتب : استاذ مشارك في علم الاجتماع – جامعة البلقاء التطبيقية
Ohok1960@yahoo.com