هناك انقلاب جوهري في النظام الانتخابي للبلديات تحقق من دون اعلان أو قرار سياسي أو ارتباط برؤية تنموية معينة. هذا التغيير هو تقسيم البلديات الى مناطق (دوائر) لكل منها ممثل على غرار أمانة عمّان، لكن من دون وجود نصف معيّن. وقد امكن اجراء هذا التغيير الجوهري ذي الآثار العميقة من دون ادخال نصوص جديدة على القانون القديم لأن هنالك نصّا، في القانون، يتيح للوزير بموجب تعليمات أن يقرر بقاء البلدية دائرة واحدة أو انشاء أي عدد من الدوائر. في الماضي (قبل الدمج) كانت البلدية دائرة واحدة تنتخب مجلسا كاملا ورئيسا، وكان المرشحون ينزلون في كتل لكل واحدة رأس وتقدم الكتلة تحالفا يعكس التنويع في الخارطة الاجتماعية المحلية. فكل ذلك انتهى الآن وللناخب صوت واحد يعطيه لمرشح واحد عن منطقته، والفرصة على الأرجح ستكون للمرشح الذي يملك قاعدة عشائرية أوسع فحسب، أمّا الشخصيات النشطة أو المثقفة على المستوى المحلي التي كانت تحظى بفرص جيدة لأن شعبيتها تتخلل مختلف الأوساط فقد اصبحت فرصها معدومة الآن.
هناك وضع جديد كلياً، بالنسبة لمرشحي رئاسة البلدية، فقد كانوا ينسجون تحالفا يشمل كل الأوساط ممثلين عشائريين ومثقفين وسياسيين ونشطاء اجتماعيين. أمّا الآن فيأخذ مرشح الرئاسة مسافة واحدة بعيدا عن الجميع و يدعو لنفسه فقط.
الحملات الانتخابية هذه المرّة باهتة، ضعيفة، بلا لون ولا طعم ولا رائحة أكان لمرشحي العضويّة أو الرئاسة. النظام الحالي عزل الجميع عن الجميع، والطريف ان المرشح للرئاسة يأتي لخطب ودّ عشيرة معينة لكنه لا يستطيع ان يقول كلمة طيبة واحدة بحق مرشح العشيرة لعضوية المجلس، فهو سيزور بعد ذلك بقية العشائر في المنطقة ولبعضها مرشحون ايضا. ومثل ذلك ينطبق على مرشحي الانتخابات النيابية الذي يجدون انفسهم في ورطة كبيرة وحرج شديد، اذ يجدون أكثر من مرشح في العشيرة أو الدائرة ولا يستطيعون اتخاذ موقف مع أحد خوفا من اغضاب الآخرين.
عندما عرض مشروع قانون البلديات على مجلس النواب نبّهنا مرارا الى هذه القضيّة الهامّة وقلنا يجب ان نعرف اية آلية انتخابية نريد للبلديات، وتساءلنا كيف تفكر الوزارة والحكومة في هذا الموضوع، فهو أمر جوهري في اتجاه التنمية المحلية التي نريد. لكن لم نحصل على أي اجابة!
كيف تقررت هذه الصيغة اذا؟ لا أدري! لكن المرجح ان الفكرة المضمرة كانت نسخ نموذج أمانة عمّان (من دون التعيين).
تشير الأجواء السائدة الى ان هذه الانتخابات البلدية قفزة كبرى الى الوراء بمفهوم التنمية السياسية. قفزة كبرى الى الوراء قياسا بما كان عليه الحال منذ تأسيس الامارة، وهذا أمر محزن للغاية.
الوجه الإيجابي الوحيد هو دخول الكوتا النسائية، لكن هذا المكسب تمّ تحجيمه أيضا بالآلية الانتخابية الجديدة.
jamil.nimri@alghad.jo