كان اول تحذير ملازم لفعل المشي..فارتبكت وسقطت على الدرجة الأخيرة في اليوم الدراسي الأول.. اندلقت كتبي أمامي..ووضع احد الطلاب المتسلطين قدمه على مصروفي اليومي..لم أجرؤ ان أطالبه برفع حذائه عن رغيف الساندوتش ..فأقنعت نفسي ان الشلن ضاع في الزحام، رغم انه كان يبتسم بوقاحة لأرجوه أو أقارعه..لكني كرمال الحيط الحيط انسحبت...وعند العودة ، لم أجرؤ على الإفصاح للأهل عن ضياع المصروف فادعيت الشبع وأنا في قمة الجوع..
بعد ان اخذت بطاقتي الجامعية فرحا، قال لي أحدهم بلغة الأمر، ليس شأننا الاعتصامات ولا المظاهرات ولا الانتخابات الطلابية ولا المناكفات الشبابية ولا العلاقات العاطفية ، بمعنى آخر حتى تأخذ قسطك .. امش الحيط الحيط .. عندها طأطأت رأسي..فاندلقت حريتي أمامي..ووضع أحدهم قدمه على شخصيتي ...لم أجرؤ أن أطالبه برفع حذائه عن رئتي ..فاقنعت نفسي ان الأنا ضاعت في الزحام ايضا..كان يبتسم بوقاحة لأرجوه أو أقارعه ..لكن كرمال الحيط الحيط انسحبت.. ثم ادعيت الشجاعة وأنا في قمة الجبن..
بعد ان ظفرت بوظيفة ، قال لي احد الأقارب مذكرا، انت الآن في موقع حساس، كلمة قد تأخذك وألف كلمة لن تعيدك..دعنا من السياسة والانتقاد ..دعنا من علم الجريمة والاقتصاد ، وكذلك الرقابة والفساد..واكتب ما شئت ، بمعنى آخر حتى تحافظ على رزقك امش الحيط الحيط ...فاندلقت خيبتي أمامي..وشاهدت اقداما كثيرة ولم اشاهد خسارتي هذه المرة ..ولم أجرؤ حتى ان اطالب أيا منهم برفع حذائه لأعرف ماذا فقدت؟..وأخيرا كرمال الحيط الحيط...انحسبت، مدعيا السخرية وانا في قمة الحزن..
بصراحة اكثر قبل ان أصبح حيطا حقيقيا..يلوذ بي المدخن السري..و المزحوم ..وتتكسر على جسدي زجاجات السكارى ..واحمل مكرها عبارات الوله والشوق والشتائم اللاذعة...أود القول: إن خسارتي ما زالت تتضاعف .
*** باختصار..فلسطين ضاعت ..ونحن نمشي الحيط الحيط ....
ahmedalzoubi@hotmail.com