تتصدر صفقة القنّب التي عُقدت مع حزب ديني أخبار انتخابات دولة الاحتلال القادمة؛ السماح باستخدامات القنّب الطبية مقابل الأصوات. إنها الغاية الوضيعة والوسيلة الماكرة.
هي صفقة أخرى تلتحق بحبّات مسبحة الصفقات، والغاية واحدة والنوايا خبيثة ونحن متعبون....
متعبون جداً، ومهزومون.
النخب غائبة لألف سبب، والبوصلة مضطربة تسير على غير هدى في لجّة الحمق؛ وسيّد المشهد وإمام البلاهة، التغافل ولا شيء سواه. في الحقيقة، خيولنا أكثر تعباً، أغزر نزفاً، أبلغ أسى.
تشقُّ سفن الدنيا يمَّ الحياة ببوصلة واحدة. لا تكترث دفّتها بتشكيلة القبطان، لا ببقائها ولا بتعديلها ولا بتغييرها. البوصلة واضحة هناك. لا تصنعها السهرات. وبالطبع، لا أحد يعبأ بمناضلي الكيبورد ولا بأبطال البث المباشر.
صفقة القنّب أنجزت. أقبلت تتهادى بين يدي العملية الكبرى، ونحن عنها غافلون، عن تداعياتها وعمّا يليها، عن المستقبل الذي تنسج ثيابه على مهل. لكننا جيّدون في ممارسة طقوس التجاهل وحالات التغابي وتأطيرها ببطولات نخْتلقها وحَمَاسَة نفتعلها وإِقْدَام نلفّقه، في غفلة من العقل وتَوَهُّم في الذاكرة، تماما في كبد الطيش ومنتصف السهو ومركز الذُهُول.
اضطرب حبل الحياة. تتصاعد كل يوم أثمان المواقف، ولكأن بمقدور كل مراقب رؤية مُسَوِّغات المشهد بكل يسر. تتراجع القيم لصالح اللحظة الراهنة، يعود الجمود للعقل العربي ليأخذنا إلى حافة الإنحطاط، تترسخ في كل المشاهد، إقليمية بعيدة عن مبادىء الكواكبي وساطع الحصري ونجيب عازوري وامين الريحاني وسواهم ، ثم تترسخ داخل الإقليمية ذاتها انكسارات فرعية وتشظٍ مخيف، والنتيجة واحدة، إضعاف وإنكار وجلدٌ لا يفيد أحد.
هل فات الأوان على النهضة؟ هل انتفت اسبابها؟ لا يمكن القول بذلك. ما زال فينا رشدا وتضحية وفداء وامل. لكن شرط القواعد الأولى هو أن نبدأ على عجل بنفض الجمود أولا عن أغلفة العقول، ثم التأسيس لنهضة قوامها رؤية ثاقبة ذات ارتكاز ثابت في الماضي والحاضر والمستقبل.
لن يعبروا. هذا ما أقسمنا عليه في القدس وفي باب الواد. وهذا ما نقسم عليه بكل تلال هذا البلد وجباله وسهوله. هذا ما نقوله الآن لأبنائنا وهم يسعون غدا إلى الصفوف. لن يعبروا. ستكون جسومنا جسرا حين ذاك.
لا يتعلق الأمر بشيء قدر ما يتعلق بأننا اليوم أكثر حاجة من أي وقت مضى، للتَيَقَّظَ ولامتطاء الصحوات واعتلاء الصهوات والاستناد الى الديمقراطية الحقيقيه لا غير.
من لندن مرة أخرى. في كل مرة، حين أشاهد الناس يضحكون رغم الأزمات، ارى القلق يعبر نحونا بسرعة، وأرى الحالة أكبر من اقتصاد وضرائب وفرص عمل، إنها الخوف على تشكيلٍ مراد لن تقف دون تحقيقه الأمنيات، ولن تحدّ من طوفانه المعارك الجانبية الصغيرة.
حزيناً، على ضفة التايمز، على أمة تضيع في أكناف أزمات ثانوية، ولا تقرأ ان سوى القلق المفتعل خلف ظهورنا وأمامنا قلق مخيف قادم....