المذكرات .. السردية حين تتجاوز التوثيق
عرار الشرع
30-08-2019 08:34 PM
لم يكتب المشاهير والسياسيون المذكرات؟
الأهداف المعلنة التوثيق، كشف حقائق غائبة، رصد مرحلة تاريخية أو حتى التكفير عن أخطاء حمل وزرها الراوي طيلة حياته...
يوم أو يكاد فصل بين نشر مذكرات رئيس الوزراء الأردني الأسبق فايز الطراونة بين عهدين، في كتاب فخم الطباعة غالي الثمن، ومذكرات رئيس وزراء راحل وقائد عسكري هو الأمير زيد بن شاكر ولكن على صفحات الجرائد.
الاثنان موروثوهما المشترك واحد، وحياتهم عنوانها الرئيس والأطول والممتد زمانا الخدمة في بلاط الملك الحسين، ونتاجهما المشترك سردية لحياتهم الوظيفية في معية أحدهما مع ملك والآخر مع اثنين.
لكن الزخم السياسي المفقود في مذكرات الأمير العسكري تعلله خلفيته العسكرية ومحدودية اشتغاله بالسياسة مقارنة بالطراونة الذي سرديته أشبه بمحاولة رواية سنواته في خدمة ملكين الحسين وعبد الله الثاني.
لعل اقتراب القراء من الكتابين مرده أنهما يتحدثان عن فترات لم يعشها الجيل الأردني الجديد مع محدودية الحقائق التي يكشفانها والتي لا ترقى إلى الأسرار الخطيرة.
والروايتان تتحدثان عن رؤية الراويين لأوضاع الأردن منذ الستينات بالنسبة للأمير زيد وبعدها بعقد أو يزيد للطراونة.
رواية الأمير زيد اعتمدت على شهادات من عاصروه وهذا يحسب لمؤلفته قرينة الأمير نوزاد الساطي.
لكن السؤال الأهم هل يحتاج الأردنيون لهذه المذكرات الآن، وما الذي ستضيفه إلى وعيهم السياسي والاجتماعي، وما الذي ستقدمه كنموذج يُقارن به الوضع القائم في الأردن.
أزمات قد تتقاطع في تفاصيل بسيطة مع ما نشهده اليوم، دون إسقاط مباشر، وإنما الاكتفاء بالرواية وترك الحكم للقارئ.
البحث عن الحقيقة يؤرق الجميع في مختلف أصقاع الأرض، لكن قبل الشروع بتوثيق الماضي، من باب الشهادة على العصر فالأجدى أن نقيس الثقة بمن كتب وما كُتِب وتحويل هذه المذكرات إلى وثيقة تاريخية تطالعها الأجيال القادمة وتستفيد منها.
وفي الكتابين، تجد التشابه كبيرا مع ما صدر سابقا من مذكرات، فالشريف زيد الآتي من ميادين القتال صنعته الأهم رواية ما واجه عسكريا أكثر من سياسيا وهو ذات الفخ الذي وقع فيه اللواء صادق الشرع في كتابه حروبنا مع إسرائيل. أما سياسيا فكتاب الطراونة يشبه في نهجه مذكرات رئيس الوزراء الأسبق مضر بدران التي سردت حياته الوظيفية، ولذلك قدمت لوحات صورية لأحداث ماضية دو محاولة الاستدلال حتى على تأثيرها على ما يعيشه الأردن.
فالتحديات التي عاشها الأدن منذ تأسيس الإمارة وحتى اليوم تتشابه في عناوينها وتختلف في تفاصيلها ومعطياتها، فالأردن الذي وقف في منتصف الطريق دوما يحاول مجددا ذلك، لكن وضعه الاقتصادي يخنقه، وتحديات المرحلة السياسية في المنطقة تكبله، ليغدو في حيرة كانت أقل حجما وتأثيرا في عهد الحسين عنها في عهد عبد الله الثاني.
لا تخرج المذكرتان في هذا الإطار عن التشويق والإمتاع وإشباع فضول الجاهلين بحقبتين مهمتين في تاريخ الأردن أما من عاشوا الحقبتين فهي سبيلهم لذكر الماضي وإسقاطه على الحاضر وبهذا فالاستفادة عند الفريق الثاني أكبر بكثير عن الأول، اللهم إلا إذا قرئت بذات الهدف الثاني وهذا يحتاج إلى قراءات متعددة تتعدى المطالعة إلى التحليل السليم والمقارنة السوية بين وطن ديدنه الأزمات التي تفنن ويتفنن بالخروج منها بأقل الخسائر، في وقت لم تعد المرابح في الوارد أصلا.