وفي بلدنا مسلمون بلا إسلام!
عصام قضماني
30-08-2019 12:41 AM
هناك قول مأثور جاد به علينا الشيخ محمد عبده عندما زار أوروبا: «رأيت في أوروبا إسلاما بلا مسلمين وفي بلدنا مسلمين بلا إسلام». والشيخ للتذكير هو عالم دين وفقيه ومجدد إسلامي مصري، وأحد رموز التجديد في الفقه الإسلامي ومن دعاة النهضة والإصلاح في العالم العربي والإسلامي، في القرن الثامن عشر، مثل كل المجددين واجه الشيخ نظير أرائه هجوما لاذعا طال سمعته وأتهم بالخيانة وقيل أنه ماسوني وما الى غير ذلك من الإتهامات الفارغة التي يكيلها المفلسون لكل صاحب رأي مخالف للتشدد وللمغالاة.
لم يختلف المشهد كثيرا منذ القرن الثامن عشر الى القرن الحادي والعشرين، فالإتهامات للمجددين لم تتغير في غاياتها وأسبابها لكن تغيرت حتما للأسوأ في أشكالها مع ذيوع النفاق السياسي والاجتماعي والانفصام حيث يمارس الفرد في السر ما ينتقده في العلن.
الشيخ الجليل لفت نظره أن المجتمعات الأوروبية تقوم على احترام الأخر، وعلى الأمانة والصدق، والجيرة الحسنة واحترام القانون، بغض النظر عن أصولهم وأديانهم ولغاتهم وألوانهم. فوجد أن كل ذلك هو نسخة عن أخلاق الإسلام قبل أن يميز أن القضية لا تتعلق بالديانة بل هناك ناموس اسمه الأخلاق هي التي تجعل من البوذي صاحب خلق ومن المسيحي وغيرهم من اصحاب الديانات أيضا، هي الأخلاق وهو ما جاء الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام ليتممه «مكارم الأخلاق» أي أن الدين لم يبتكر الأخلاق بل أطرها في تعاليم ودفع بها الى الناس أي أن الأخلاق سابقة على الدين وهي سابقة على كل شيء.
هذا ما يحصل عندما يعود أحدنا من زيارة الى عاصمة أوروبية، منبهرا بأخلاق تلك المجتمعات واحترامها للقوانين والأنظمة بعد أن تحقق لها شرط العدالة واللامزاجية فلا تكييف للقانون لإيقاع مظلمة ولا تفصيل للأنظمة على مقاس أحد ولا تبلي ولا افتئات ولا تلفيق.
يا سلام حتى الكلاب تحترم اشارة الوقوف، هذه عبارة سمعتها من زميل بدا مبهورا بتصرف الكلاب في شارع في عاصمة أوروبية التي تعلمت من أصحابها وقلدتهم في سلوك لا تفقه عنه شيئا فكما يفعل صاحب الكلب وراعيه يفعل الكلب.
وهكذا في احترام رأي الأخر وسلوكه والظن الحسن قبل السيء، لا تغرهم المظاهر ولا تخدعهم ربطات العنق ولا إدعاء الفضيلة، بل السلوك والتعامل.
لا أريد هنا أن أسوق المجتمعات الأوروبية وأقوم بدور الواعظ، لكن نعم هي مجتمعات متنورة فيها الفضيلة والأخلاق سلوكا وليس تعاليم، وإلا كيف لمجتمع ليست هذه قيمه أن يتفرغ للعلم ورفد الحضارة وللإختراعات وللإنتاج ولبناء العلم والمدارس والبنية التحتية المتفوقة ووسائل النقل المتطورة.
مجرد سؤال؟.
الراي