ليست المرة الأولى ولا الأخيرة التي نشير فيها الى المكانة الرفيعة علميا ونزاهة لسماحة الشيخ نوح القضاة مفتي المملكة وهو أحد الذين قدموا خدمات كبيرة للدين خلال عقود عمله في القوات المسلحة وفي كل المواقع، لكنني توقفت طويلا عند آثار إصدار بيان من دائرة الافتاء تدافع فيه عن قرار صدر العام الماضي بتعيين احد ابناء عشيرة القضاة الكرام أمينا عاما لدائرة الافتاء وهو موقع اداري.
والمشكلة ليست في تعيين أحد أبناء عشيرة المفتي بل دخول دائرة الافتاء، والتي نريد جميعا أن تبقى مرجعية أردنية راشدة في الافتاء، في جدلنا المحلي حول الواسطة في التعيين وإن كان من تم تعيينه قريبا للمسؤول أو من أصدقائه أو أصهاره، فالافتاء دائرة قيمية أخلاقية علمية لم يكن ضروريا أن تدخل في هذا الباب، وحتى لو كان هنالك قبول وقناعة ببيان المفتي بأن الأمين العام تم تعيينه وفق الكفاءة والمعرفة الادارية التي يسجلها تاريخه الوظيفي فان اتقاء الشبهات كان الأولى وبخاصة أن مجتمعنا من كثرة ما عاش من تجارب مع المسؤولين والحكومات بما في ذلك صناعة الوزراء والامناء العامين والمديرين وحتى اختيار سكرتيرة المسؤول ومدير مكتبه تخضع أحيانا لمعايير غير نزيهة.
ولأن هنالك خللا كبيرا في مدونة السلوك التي يمارسها الكبار أصبح مألوفا أن يتتبع الأردني اسم العائلة والعشيرة وشجرة العلاقات الأسرية عند تعيين أي شخص في موقع مهم، ولهذا ليس غريبا أن يسمع المفتي العام كلاما عن واسطة في تعيين أمين عام دائرة الافتاء لأنه من نفس العائلة لأن الناس اعتادت أن ترى رابطا وعلاقات وراء كل تعيين. وربما كان على سماحة المفتي وهو الرجل الذي يحظى بالاحترام الكبير أن يبتعد عن تعيين شخص من عشيرته نفسها حتى لو كان صاحب كفاءة وحتى لو حمل هذا ظلما للفرد، فهذا أقل ضررا من إلحاق الأذى بصورة دائرة الافتاء ومسارها الاداري وعدم إدخالها في دائرة ما أسماه البيان باللمز.
ما تعلمناه جميعا أن الصحابة الكرام عليهم رضوان الله تعالى كانوا يقولون إنهم كانوا يتركون تسعة أعشار الحلال خوفا من الشبهات. والرسول الكريم كان يحرص على منع أي سوء فهم لهذا حرص على أن ينادي الصحابة الكرام في إحدى الليالي ليخبرهم أن السيدة التي كانت تمشي معه ليلا هي زوجته، ليس لأن الصحابة يشكّون في النبي الكريم بل هو تكريس لنهج في إبعاد الشبهات وقطع الطريق على ريبة قد تقع في نفس أي فرد.
كل الاحترام لشخص أمين عام الافتاء لكن ما دام مجتمعنا اكتوى كثيرا بنار الواسطة وتعيينات المحاسيب والاقارب فان كفاءته كان يمكن تجييرها لموقع آخر في الدولة من دون أن نفتح بابا ولو بكلمة واحدة تمس دائرة الافتاء التي يجب أن تبقى بعيدة عن كل همز ولمز أو تفسير لأي سلوك اداري. ولا نريد لاحد أن يشكك في نزاهتها الادارية لأن هذا سينعكس على مرجعيتها في قضايا الافتاء.
لو كان السلوك العام خاليا من العبث في عمليات التوظيف لكان تعيين الأقارب وعدم إلحاق الظلم بهم أمرا مفهوما، لكن المسار السلبي يلحق ظلما ببعض الأقارب من أصحاب الكفاءة، والحفاظ على الصورة الكريمة للمؤسسات والقيادات المهمة أهم أحيانا من إنصاف قريب يمكن إنصافه في مكان آخر إذا كانت الدولة مقتنعة بكفاءته وقدراته.
sameeh.almaitah@alghad.jo