هل نعيش نِهاية .. «الهيّمنَة الغَربِيّة» في العالَم؟
محمد خروب
29-08-2019 12:19 AM
سؤال طرحه وأجاب عليه الرئيس الفرنسي ماكرون بنفسه, أمام مؤتمر يُدشَّن سنوياً لسفراء بلاده في العالم, وقال حرفيّاً: «إن العالَم يعيش نِهاية عصر الهيمنة الغربية فيه، وهناك - أَضاف - دُولٌ أخرى بينها روسيا تأتي لتغيير النظام العالمي».
ليس ثمة ما هو أكثر وضوحاً من هكذا عبارة, يقولها وريث الإمبراطورية الفرنسية التي لفظت أنفاسها قبل ستة عقود ومعها الامبراطورية البريطانية, مباشرة بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. ما يستدعي تأمُّلاً عميقاً من صُنّاع القرار العربي, إن جاز الوصف في عصر فقد فيه عرب اليوم أبسط أنواع السيادة والقرار الوطني، في ما ذهب اليه رئيس إحدى القوى الخمس الأكبر في العالم، رغم أن ماكرون ذهب بعيداً لإضفاء نوع من «الأخلاقيّة», في تفسيره لمفهوم الهيمنة بالمعنى الذي مارسته فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركيّة، باعتبارها الدول الثلاث التي قادَت وترجمَت تلك الهيمنة, التي يصعب تفسيرها بغير كونها غزوات استعمَارية واستعباد للشعوب ونهب لثرواتها وفرض إملاءاتها على الدول والشعوب المُستعمَرة, التي لم تنجَح في إبعاد القوى الاستعمارية, إلاّ بالكفاح المُسلّح لطرد الغُزاة بهدف امتلاك القرار والثروات الوطنية.
يقول ماكرون في محاولة يائسة لتفسير مفهوم الهيمنة: «إننا كُنّا مُعتادِين على نظام عالمي منذ القرن الثامن عشر، يستنِد إلى هذه الهيمنة الغربية، ولا شَك - يُواصِل - في أن هذه الهيمنة كانت فرنسيّة في القرن الثامن عشر بفضل عصر الأنوار. في القرن التاسع عشر كانت بريطانيّة بفضل الثورة الصناعيّة، وبصورة عقلانِية (....) كانت تلك الهيمنة أميركيّة في القرن العشرين، لكن الأمور - يُضيف - أخذَت في التغيّر بسبب أخطاء الغرّبِيين في بعض الأزمات».
النرجسية والاستعلاء واضحان في قراءة الرئيس الفرنسي، وبخاصة في الإتكاء على ما حقّقه «الرجل الأبيض» في القرون الثلاثة الأخيرة, عند استِحضارِه عصر الأنوار الفرنسي والثورة الصناعيّة البريطانية، وما أسماه زيفاً «العقلانية» بالهيمنة الأميركية، في طمس مقصود بذاته ولذاته, حول ما عاشه العالم في تلك القرون الظلامِية, التي استخدمَت فيها القوى الإستعمارية ولاحِقاً الإمبريالية, أساليب وحشية لاحتلال العالم وإبادة الشعوب الأصلية، ونهب ثرواتها ودائماً في استغلال قواها البشرية حدود العبودية، والحؤول دون شعوبها والمعرِفة, أو السيادة الوطنية أو تقرير مصيرها. ناهيك عمّا شَابْ علاقات القوى الاستعمارية في ما بينها, من منافسات وحروب للإستحواذ على ثروات الشعوب والتحكّم في مواقِعها الجيوسياسية, والتي شطرت العالَم إلى «عالمَين»... الشمال الغَني، والجنوب الفقير, وما يزال الأخير يرزَح تحت نير الغرب الإمبريالي.
الرئيس الفرنسي الطامح لِلعب دور أكبر من حجم بلاده على الخريطة الدولية, يعترِف «ببزوغ قوى جديدة وهي قوى -يُضيف- اقتصادية، ليست سياسية بل حضارية تأتي لتُغيِّر هذا العالم، وإعادة النظر في النظام الاقتصادي بصورة قوية, ومنها الهند والصين وروسيا، حيث تتميّز تلك البلدان بإلهامِها الاقتصادي الكبير».
الراي