قضى جمال عبدالناصر أغلب سنين حياته يتيم الأم؛ إذ غيب الموت والدته فهيمة محمد حماد عن الحياة عندما كان عمره ثمانية أعوام، وأمضى صدام حسين سحابة عمره كله يتيم الأب، إذ فارق والده حسين عبد الغفور المجيد الحياة قبل ولادته بنحو نصف دورة للأرض حول الشمس.
هذا اليتم كادت رياحه العاتية أن تعصف ببراعم طفولة كل منهما؛ فبينما أقر صدام حسين أنه تعرض إلى معاملة قاسية من زوج أمه الحاج إبراهيم الحسن عندما كان يبلغ من العمر بضع سنوات، كما ورد في ص (354) من كتاب (صدام حسين من الزنزانة الأميركية: هذا ما حدث!)، يذكر سعيد أبو الريش في ص(23) من كتابه (جمال عبدالناصر: آخر العرب): "وقد حز في نفس جمال عبدالناصر أن تموت والدته دون أن يبلغ عن ذلك في حينه، كما أن هذا الإحساس تعمق بعدما تزوج والده ثانية بعد مضي عامين فقط على وفاة والدته". وكان سعيد أبو الريش قد أشار في أكثر من موضع في كتابه إلى أن علاقة جمال بوالده لم تكن على خير ما يرام؛ فالعلاقة "لم تكن تتسم بالإرتياح" من جهة، ومن جهة أخرى كان ثمة سخط متنام في وجدان الفتى جمال تجاه والده.
وبينما نشأ وترعرع جمال عبدالناصر في كنف عمه خليل في القاهرة بالقرب من دار الكتب المصرية، شب صدام حسين في بيت خاله خيرالله طلفاح في بغداد، في الكرخ تحديدا. وكان في بيت خاله مكتبة عامرة بالكتب التاريخية والفلسفية والأدبية والكتب ذات التوجه القومي العربي.
وجمال عبدالناصر كان نابغا في أولى سني دراسته، إذ يقول سعيد أبو الريش في ص(24) من كتابه آنف الذكر: "وقد تبين نبوغ الفتى وهو بين السابعة والتاسعة من العمر في مدرسة تحفيظ القرآن". وصدام حسين كان ذكيا منذ الصفوف المدرسية الأولى بشهادة أحد المدرسين في تلك المدرسة الإبتدائية في تكريت، وهذه الشهادة ينقلها لنا صلاح عمر العلي أحد معارضي صدام حسين، إذ يقول لغسان شربل في كتابه (العراق من حرب إلى حرب: صدام مر من هنا)، ص(97): "كان خالي سعيد عبدالفتاح مدرسا في المدرسة الإبتدائية في تكريت وهو لا يزال حيا. سألته فقال إن اسم صدام موجود في سجلات المدرسة وأكد أنه كان من الطلاب الأذكياء ويعتبر من المتفوقين".
وانكب كل منهما على الدراسة لغايات التحصيل العلمي ونيل الشهادات. فبالنسبة لجمال عبدالناصر، ذكر سعيد أبو الريش في ص(25) من كتابه سالف الذكر أن "أكثر ما يدل على شخصية جمال عبدالناصر كان قدرته على متابعة دراسته على رغم كثرة تنقله بين مدرسة وأخرى". وفي ص(44) من كتاب (صدام حسين من الزنزانة الأميركية: هذا ما حدث!)، نقرأ: "وعرف صدام حسين وسط الطلاب ورفاقه بأنه لا يميل لحياة السهر واللهو يقضي وقته ما بين القراءة ولعب الشطرنج".
وإذا كان الكتاب خير جليس لكل منهما في زمانهما، كان كل منهما يقضي وقت فراغه أحيانا بتحريك أحجار رقعة الشطرنج. ومن الجدير بالذكر أن جمال عبدالناصر كان يلعب الشطرنج لساعات طوال مع عبدالحكيم عامر. وبكل موضوعية وحيادية أقر صلاح عمر العلي لغسان شربل في ص(100) من كتابه آنف الذكر أن صدام حسين كان قارئا جيدا.
وقد جرح جمال عبدالناصر في تظاهرة ضد الإستعمار البريطاني أثناء عبور كوبري الروضة في القاهرة في شباط (1936)، وأسر على أثرها لمدة يومين. وصدام حسين أصيب بساقه أثناء محاولة إغتيال عبدالكريم قاسم في شارع الرشيد في بغداد في تشرين الأول (1959)، ورغم أنه هرب إلا أنه تذوق قبل هذه الحادثة وبعدها لذة الإعتقال مرات ومرات.
وقد قدم جمال عبدالناصر طلبا للتسجيل في الكلية الحربية في العباسية في القاهرة، وكذلك فعل صدام بالنسبة لأكاديمية بغداد العسكرية، ورغم أن طلب كل منهما تم رفضه، إلا أن جمال عبدالناصر أعاد الكرة مرة ثانية ونجح هذه المرة، لكن بوساطة وزير خارجية مصر آنذاك إبراهيم خيري باشا كما أشار إلى ذلك سعيد أبو الريش في ص(30) من كتابه سابق الذكر. وحاول صدام الإنضمام للأكاديمية نفسها مرة أخرى أيضا إلا أن محاولته الثانية هذه باءت بالفشل أيضا، إذ يقول غسان شربل في ص(147) من كتابه سالف الذكر: "ذات يوم طرق -أي صدام- باب الكلية العسكرية فرفضوه. طرق ثانية فكرروا موقفهم". وليس من دليل قاطع على وجود أو عدم وجود وساطة في المحاولة الثانية لصدام حسين.
وكل منهما بدأ بدراسة الحقوق، إلا أن جمال عبدالناصر لم يجد نفسه محاميا فما واصل دراستها، بينما صدام قطع دراسة الحقوق تلبية لنداءات حزب البعث العربي الإشتراكي الذي كان يخطط للإنقلاب ضد عبدالكريم قاسم.
وبينما يقول سعيد أبو الريش في ص(38) من كتابه عينه: "ويبدو أنه -أي جمال- كان متحررا من المفاضلة العربية للأولاد الذكور"، نقرأ في ص(8) من كتاب (حفيدة صدام: حرير حسين كامل): "كان -أي صدام- يفرح جدا بولادة البنات؛ على عكس جدتي ساجدة التي كانت تحزن بشدة حين تعرف أن المولود أنثى".
أخيرا وليس آخرا، جمال عبدالناصر من مواليد برج الجدي، وصدام حسين من مواليد برج الثور، والبرجان كلاهما من الأبراج الترابية.
على هامش المقال:
نقرأ في كتاب (مستشار الملك) لمؤلفه جاك أوكونيل مع فيرنون لوب، ترجمة عماد إبراهيم عبده، مراجعة وتدقيق عزمي طبة، الطبعة العربية الأولى (2015)، دار الأهلية للنشر والتوزيع، ص(161):
"إن مصر وناصر، والعراق وصدام، قد شكل كلاهما ما تصورت إسرائيل أنه تهديد لوجودها يجب أن يتم تدميره. وقد قبلت الولايات المتحدة بصورة سرية قيام إسرائيل بتدمير مصر ناصر، وانتهى بها الأمر بالقيام بالعمل القذر لصالح إسرائيل ضد العراق، على الرغم من أنه لا الرئيس ولا البلد كان يشكل تهديدا للولايات المتحدة. ومن المفارقة أن كليهما كان يريد علاقات ودية مع الولايات المتحدة".
هويات الكتب المذكورة في المقال:
1) كتاب (صدام حسين من الزنزانة الأميركية: هذا ما حدث!)، لمؤلفه المحامي خليل عبود الدليمي، الطبعة الأولى الخرطوم (2009)، شركة المنبر للطباعة المحدودة.
2) كتاب (جمال عبدالناصر : آخر العرب)، لمؤلفه سعيد أبو الريش، راجعه عن الإنكليزية سمير كرم، الطبعة الأولى بيروت نيسان (2005)، مركز دراسات الوحدة العربية.
3) كتاب (العراق من حرب إلى حرب : صدام مر من هنا)، لمؤلفه غسان شربل، الطبعة الأولى كانون الثاني (2010)، رياض الريس للكتب والنشر.
4) كتاب (حفيدة صدام: حرير حسين كامل): النسخة الموجودة عندي بلا هوية.