ما اكثر المحطات والمواقف الحياتية التي يعاينها الانسان، منها ما تحترمها ومنها ما يقف لها شعر الرأس، منها الإيجابي ومنها السلبي، منها ما يعزز النجاح والابداع، ومنها ما يقتل الهمة ويثير الأوجاع، فمثلا تقرأ عن منظومة القيم والاخلاق وتجد من ينظّر لها؟ والتنظير والتطبيق يجب ان يكونا في مسار واحد. وتقرأ مفارقات غريبة فإذا اتخذ المسؤول قرارا يستبدل فيه واحد مكان اخر قامت الدنيا مع انه قرار طبيعي، فمتى نتعلم من الآخرين كيف ينتقل زمام العمل من شخص لآخر بمنتهى الجد والهدوء؟
وتقرأ عن الجامعات والقبولات المتوقعة؛ فتجد نفسك في دوامة المعدلات والمقالات التي لا تعرف فيها رأسك من قدمك، وتقول في نفسك اعان الله الوطن على بحر الأفكار السائلة من كل حدب وصوب...!
وتقرأ عن محاولات نقابة المعلمين التلويح بالإضراب واستغلال بدء العام الدراسي لتحقيق مكاسب مالية؛ فكيف يتم ذلك اذا كانت المالية العامة عاجزة عن تأمين الرواتب في ظل تحديات طاحنة، لنركز على تعليم الناشئة ونحقق التميز والجودة؛ خاصة ان عديدين يتركون حصصهم دون أدنى مسؤولية؟!
وتقرأ عن اسعار المحروقات فتجد دفاعاً مستميتاً من لجان التسعير، وتجدها لا تعرف وجعاً ولا تقيم وزنا لفقير او عابر سبيل، أرقامها دائما في صعود، رحم الله الزمن الجميل حين كنّا (نفلل) السيارة بدنانير عدة...!
وحين تشارك في فرح او حفل زواج او خطوبة ترى بأم عينك كيف غاب الفرح الحقيقي من الوجوه حتى العرسان...!
وعندما تذهب خارج عمّان تجد أزمة المرور تلاحقك أينما ذهبت وحيثما تحركت؛ فتقول في قرارة نفسك: "في الصيف ضيعت اللبن" وأي لبن...!وحين تتحرك في شوارع عمّان تقول: ما بالها تخرج من عقالها تفيض ازماتها وشوارعها؛ فيقتلك صبرك وضوضاؤها وحرها، وتترحم على زمانها وأيامها.
وحين تناقش رسالة علمية وتقول رأيك العلمي الصواب، تكتشف انك تغرد خارج السرب، وان الحزم والصواب والجد يرحل الى عالم اللامعقول وتتذكر قصة ذلك المثل "إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب"...!
وحين تتصفح الصحف المطبوعة وتتوقف عند المقالات المنشورة تبكي لضحالة الفكر وغياب الرؤية، وتقول ما بال القوم في رحيل واضطراب، وتعود الى ذاتك وقد فقدت الصواب والزمن الغني بالمعاني والفكر العميق..!
وعندما تشارك في اجتماع ترى القوم في شكوى واحتراب، وتعرف ان زوايا الرؤية في الغياب، وانت من اجتماع الى اخر، والنتيجة لجنة تولد واُخرى بلا قرار...!
وعندما تعود لنفسك وتتأمل ما حولك تكتشف انك المغفل الوحيد بينهم، الكل مشغول بنهم في مصالحه وانت تعتقد انهم يؤثرونك على أنفسهم، وإذا انت بواد غير ذي زرع وهم كل بواديه يبحث عن غنيمته، وحينها تقول من قدم السقط لاقى العجب...!
وفي الصباح حين تجلس تحتسي القهوة ترى رحلة الحساسين وتسمع زقزقاتهم، حينها تشعر ان الحياة ما زالت في فطرتها الاولى وزمنها الجميل.
mohamadq2002@yahoo.com