نحو تشريعات وطنية للذوق العام
د. مهند صالح الطراونة
28-08-2019 01:21 AM
إن من أهم الدعائم الأساسية التي ترتكز عليها الدول الراقية هو حرصها على منظومة القيم والثقافات التي تسود في مجتمعاتها، لما لهذه القيم من منزلة كبيرة في ترسيخ هوية الدولة وهوية المجتمع وكذلك الحفاظ عليه، وكونها تعتبر الصورة الحقيقية للفرد ولقيمه الأصيلة التي تربى عليها ومثله الدينية والخلقية العليا وموروثه الذي ورثه عن الآباء والأجداد، ومما لا شك فيه أن المجتمعات الأكثر رسوخا وإسهاما في بناء الحضارة الإنسانية هي المجتمعات ذات الرصيد الكبير من الثقافات والقيم الاجتماعية، ومما لاشك فيه أيضا إن أهم ركيزة من ركائز بناء الأمم، هي بناء المواطن الصالح الذي يحمل على عاتقه قيمه التي تربى عليها و تحمله الدولة مسؤولية تحقيق الأمن والاستقرار
وتنفيذ برامج التنمية الشاملة لخير الوطن والمواطن، والعمل بإنسانية شاملة لبناء دولة آمنة مستقرة .
ولذلك كلما كانت قيم المجتمع ذات عمق أخلاقي وسلوكي تتجلى ممارستها في الشارع العام وفي المرافق العامة وفي سلوك الأفراد على الصعيد الشخصي كلما كان المجتمع بل الدولة أكثر تحضرا وتقدما وأكثر إسهاما في الموروث الإنساني والحضاري على مستوى العالم، وخاصة لوكان دين هذه الدولة هو الدين الإسلامي ومنهاجها هو القرآن الكريم وسنة النبي محمد صل الله عليه وسلم لما فيه من قيم هي بمثابة منهاج حياة كامل وشامل وصالح لكل زمان ومكان لحياة الأفراد بين بعضهم وسلوكهم تجاه دولتهم ومرافقها.
من هنا وحتى نكون صريحين أكثر لقد برزت الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تشخيص الواقع الأردني ومدى إلتزام مجتمعنا الأردني بقيمه ومثله العليا وإبتعاده عن كل سلوك فيه تشويه للصورة الجميلة لهذه القيم، وهذا ما دفعني في هذه العجالة للتفكير في آلية قانونية يتم من خلالها ضبط هذه القيم وتقويم من ينحرف عنها، والتالي هي بعض المبررات لوجود مثل هذا النوع من التشريعات لدينا.
ما هو المبرر القانوني لوجود هذه التشريعات؟
وأنني و من أنشره في هذه العجالة أرى كرجل قانون وكباحث وكمحامي أرى أنه بات من الضروري أن يتدخل المشرع الأردني في سن تشريعات ناظمة للسلوكيات والآداب التي تعبر عن قيم المجتمع الأردني ومبادئه العليا وهويته العربية والإسلامية وذلك وفقا للأسس والمعايير التي بينها الدستور الاردني، وتكمن الحاجة لوجود هذه التشريعات في الأردن بروز بعض السلوكيات والتصرفات الفردية بين الحين والآخر وخاصة تلك التي ترتكب في الأماكن العامة وهي غير مجرمة بالأصل ولا تندرج تحت إطار الفعل الفاحش، بالرغم من أنها تشوه قيم المجتمع الأردني ومبادئه العليا وتخدش الصورة الجميلة لهويتنا الأردنية والإسلامية والأمثلة على كثيره وبالتالي هناك فجوة قانونية في تشخيص هذه السلوكيات وهذه العادات التي شكلت تعديا صارخا على قيمنا وموروثا الديني والأخلاقي ولعل العنوان الأبرز في هذه التشريعات هو تشريعات (الذوق العام).
ما هو الذوق العام؟
لقد عرف فقه القانون الإداري وكذلك التشريعات المقارنة الأخرى (الذوق العام) بصفته أحد أوجه الضبط الإداري الذي يمنح من خلال قواعده سلطات الضبط الإداري المكنة القانونية في إتخاذ تدابير إحترازية وكذلك وقائية لحماية (الأمن العام والصحة العامة والسكينة العامة) وهناك وجه آخر وهو مناط حديثنا ألا وهو (الذوق العام) الذي يعرف بأنه مجموعة من السلوكيات والآداب التي تعبر عن قيم المجتمع ومبادئه وهويته بحسب الأسس والمقومات المنصوص عليها في دستور الدولة.
ولعل من حسن الطالع الإشارة هنا إلى أهمية وجود تشريعات للذوق العام ضمن التشريعات الأردنية لأنها على الصعيد الاجتماعي تعزز المحافظة على السلوك الحضاري والآداب العامة التي تعبر عن قيم الاردنيين ومبادئهم وهويتهم الاردنية العربية والإسلامية الأصيلة وفي الحقيقة إن المجتمع الأردني يفخر بأنه يتمتع بذوق عام رفيع يعبر عن تمسكه بمبادئ الدين الإسلامي القويم وتمتعه أيضا بمنظومة من القواعد الأخلاقية والقيمية الواحدة والتي من أهمها قيم الود والتعايش والتعاون والمحافظة الدولة ومرافقها وعلى مشاعر الآخرين سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين من حضر أو بدو على إختلاف أصولهم ومنابتهم ولهذا فإن مفهوم الذوق العام عند الأردنيين مرتبط بمجموعة السلوكيات التي يتمتع بها المواطن الأردني نابعة عن دين الدولة الإسلام وعن أخلاقه العربية الأصيلة وعن كاريزما خاصة للأردني الإسنان المحافظ المضياف الذي يتزين بمكارم الشهامة والكرم والكبرياء والغيرة والشرف.
دعونا نعترف إخواني الأعزاء أن الثقافة المادية التي اجتاحت الدولة الأردني وخاصة في السنوات الأخيرة ومشكلة اللجوء والظروف الإقليمية المحيطة بنا وازدياد أعداد السكان والفقر والبطالة وتعكر المزاج العام كانت جميعها عوامل أثرت بمجملها – وللأسف -سلبا على السلوك العام لدى البعض، وهذا ما نلمسه من جود سلوكيات باتت تهدد الموروث الحضاري والأخلاقي لدى المجتمع الأردني المحافظ، من هنا تبرز الحاجة إلى وضع إطار قانوني للحد من تجاوز حدود الذوق العام الذي يمارس في الشارع الأردني.
ماهي أهم الملامح المقترحة لتشريعات الذوق العام؟
بناء على ما تقدم نهيب بالمشرع الأردني الكريم وضع هذا الموضوع بعين الإعتبار وأخذ تجارب الدول الأخرى فيه وإيجاد تشريعات ناظمة لضبط جملة من السلوكيات اذكر منها على سبيل المثال لا الحصر كتلك التي تتلعق بمرتادي الأماكن العامة من الأسواق والمولات التجارية، والفنادق والمطاعم والمقاهي والمتاحف والمسارح ودور السينما والملاعب ودور العرض والمنشآت الطبية والتعليمية والحدائق والمنتزهات والأندية والطرق والممرات والشواطئ ووسائل النقل المختلفة والمعارض بحيث يجب على من يكون في مكان عام احترام القيم والعادات والتقاليد والثقافة السائدة لدى الدولة الأردنية، وكذلك ضبط الأعمال التي لها علاقة بالظهور في مكان عام بزي أو لباس غير محتشم يخالف العرف الأردني و يخدش الحياء العام ، أو ارتداء زي أو لباس يحمل صورا أو أشكالا أو علامات أو عبارات تسيء إلى الذوق العام وفيها إشارة لنادي أو جمعية تحمل جدلا أردنيا، منها أيضا ضبط الكتابة أو الرسم أو ما في حكمهما على جدران مكان عام أو أي من مكوناته أو موجوداته أو أي من وسائل النقل، ما لم يكن مرخصا من الجهة المعنية والتسول كما أنه من الضروري ضبط التصرفات سواء أكانت بالقول أو الفعل وفيها إيذاء لمرتاديها أو إضرار بهم أو تؤدي إلى إخافتهم أو تعريضهم للخطر.
وحتى يتم إنفاذ هذا التشريع طبعا بعد إستكمال قنواته الدستورية يعهد لوزير الداخلية بالتنسيق مع وزارة السياحة وجهاز الأمن العام وكذلك الجهات الأخرى ذات العلاقة-أي جهات الضبط الإداري المعنية بتطبيق أحكام هذا التشريع و وضع الآليات المناسبة لإيقاع العقوبات ، وله تفويض بعض الصلاحيات للجهة التي يراها مناسبة لتطبيق هذا التشريع ، على أن تتولى وزارة الداخلية بالاشتراك مع وزارة السياحة، والجهات ا ذات العلاقة تصنيف المخالفات، وفق جدول يتم إعداده لهذا الغرض بلائحة صادرة عن وزير الداخلية أعدت لهذا الغرض.
أخيرا إن هذا التشريع مطبق في العديد من الدول كل حسب مفهوم الذوق العام فيها هنالك تجارب أوروبية أنموذج وهناك تجارب عربية كالأنموذج السعودي قد أثبت نجاعته ممكن أن نستلهم من تجاربهم ما يتناسب مع طبيعة المجتمع الأردني .
حفظ الله الأردن الوطن الغالي والأبهى والأجمل بشعبه الوفي لوطنه وقيادته والفريد شهامته وأخلاقه وبقيادته الهاشمية الرشيدة أنموذج التسامح والذوق.
Tarawneh.mohannad@yahoo.com