أعترفُ بأننا خدعنا تجاه بعض من نادينا بهم مصدرا للقوة والعزوة ، حين اضطربت وتشوشت أفكارنا حدّ الغموض ، وكأنا ارتضينا الخنوع والهزيمة كي نعود إلى ذاواتنا خائبين منكسرين ، فلسنا وحدنا فمعنا كل من عشق هواء هذا الوطن وأصبح مثلنا يعشق ذات الهزيمة كي يبادر بالسكوت .
كم تأملنا نكبات الوطن على يد أشخاص هتفنا لهم وناصرناهم وبايعناهم ووليناهم أمورنا فخذلونا ، منهم الذي تمنينا أن يكون أكبر من مجرد مروّج للأوهام ، وأكبر من مجرد مسؤول منشغل بالهروب إلى الأمام حَذراً للطعنات ، كنا نتوقع أن يمنع الظلم عن الشرفاء ، فوجدناه أول الظالمين ..
نحن ومعنا المكلومة حقوقهم مثل كل البسطاء لا نطمع في أكثر من فرحة نجدد بها رغبتنا في هذه الحياة ، ولا نحلم بأكثر من لحظات كبرياء ، كنا نبحث عن حقنا في الوجود بين الأرقام ، تصدينا لتناسل الشائعات بعد ان قلبوها آيات بينات تتلى في سفركم المشؤوم لحين الاندحار عقب المشهد الأخير الذي ننتظر ، لمنح الفرصة لأسياد الوقت كي يمعنوا في السخرية منكم ومنا.
للاسف أنتم الذين نقضتم وعودكم فينا ، تلك هي اللعبة الماكرة الغادرة الشقية التي كانت سبب تغيرنا لنملّ المكوث على مدرجات انتظار يشبه العبث ، لقد كنا ولن ننسى أبدا ذاتَ زمن تقفُ على أبواب الأحلام نحرسُها من هجوم الكوابيس ، فصورناكم أسودا حقيقيين طالعين من زمرة الملوك ، لكم هيبة الأسود المبهجة التي تمنح المستضعفين كثيرا من الثقة ، وتزرع في البائسين كثيرا من الفرح ، ومن نشوة الانتصار في هذا الزمن ، لم نكن ننتبه إلى اين كنتم تقودونا ، ولا اهتممنا بما كان يقترفه في حقنا باعة الوعود والأحزان .
كنّا مشغولين بما كنا نصنعه من تمجيد وترفيع وترقيع لشانكم وقدركم ، لنوقن أننا كنا في جبهةٍ أخرى ، جبهةِ العمل الحقيقية نراوح مكاننا الذي لطالما فرحنا ورقصنا فيه ، الجبهة الوحيدة التي فيها نغضب ونثور فلا نخاف.
نجحتم في أن تُخروجنا لنهتف لكم ، في اللحظات التي تئن فيها بيارق الأمل المنسي خلف الجدران ، لينهش اليأس عقولنا المهزومة ، ليختلط المكر والدهاء فيها بالرأي والكلمة الطيبة ، بقينا خلف هذه الفقاعة المملوءة بالهواء بمنتهى السذاجة نطارد أفراحاً مؤقتةً تاركين خلفنا أحلاما حزينة يعيث فيها الألم فسادا، ومؤجِّلين وعودكم إلى حين ، فما بدوتم لنا في كثير من المحطات إلا أنكم المنقذون الذين يحملون بين كفيهم الخلاص ، غير أن عجزكم أعاد الشك في قدرتكم على تحقيق آمالنا فيكم ، فتقوقعت أفكارنا ، وتهجمت علينا الخبائث المدلهمة في زمن الانكسارات الرهيبة ، فقد خذلتم من أحبوكم ممن توجوكم فارساناً لأحلامهم الضائعة في زحمة المكان ، فصار لون وعودكم لوناً للخجل وللغروب المنذر بالظلام .
ما عاد فينا بقيةٌ من السذاجة ، لأن ما نحن به ضيّقَ ما اتسع فينا سابقا من هوامش الأمل فيكم ، ولم تكونوا أنتم كما تخيلناكم ، فتركناكم تنهشونا ولم تتركوا فينا حلاوة للروح ..
واخيراً .. اعذرونا على سذاجتنا وسوء اختيارنا ، فلم نكن نعرفكم جيداً والا ما كنا نرغب على أن تدخلوا للملعب لتغير قواعد اللعبة بذكاء يفوق ذكاءهم دون أن تنتظروا هدايا آخر دقيقة ، كي يرفع الوطنُ هامته دون أن يستحيي ، ولكنا تيقنا إنّكم عاجزون عن حماية طائرٍ في قفص ، فكيف يمكن أن نصدق أنهم قادرون على ترويض أسودٍ في مجاهل الغابات ؟
دمتم ودام فضلكم