الرؤساء ينبشون قبور الماضي
فايز الفايز
27-08-2019 01:45 AM
لم تكد تهدأ زوبعة كتاب الدكتور فايز الطراونة «في خدمة العهدين»، حتى نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية السبت مقتطفات مختارة من كتاب مذكرات المرحوم الأمير زيد بن شاكر، ورغم أنني قرأت وسمعت أهم المعلومات الأولية، فيبدو أنه سيضيف معلومات مهمة ووقائع تاريخية منذ «حرب النكسة»، وقد تحمل صفحاته محطات مضيئة تنصف جنودنا الأبطال الذين قاتلوا ببسالة ضد العدو الصهيوني، ولكن ذلك لا يمكنه بناء تاريخ جديد للأشخاص أو الدول، فالعقلية العربية كرمال الصحراء تتشرب أول هطل يغشاها ثم تعود جافة، لذلك لا تزال أول رواية عن الهزيمة عالقة في عقليات الجيل الشاب.
كتابة الرواية التاريخية ليست سهلة، بل تحتاج الى تحضير وجرأة موضوعية ونقد ذاتي واستعداد لنقدها من الآخرين، وهذا يتطلب حضورا قويا لصاحب الرواية للدفاع عنها أو عن وجهة نظره، وهذا ما عمد إليه القادة الإسرائيليون من سياسيين وعسكريين حيث نشروا مذكرات وكتبا تتحدث عن مراحل مهمة في تاريخ نشأة وتطور الكيان المحتل، حتى أنهم أقنعوا العالم بأنهم أفضل من جاء الى هذه الأرض الشرق أوسطية، ونقلوا لها العلوم والتكنولوجيا والصناعة والزراعة والديمقراطية والمجتمع المتوحد رغم عدم تجانسه، لإثبات حق ليس لهم بأرض فلسطين اليوم وغير فلسطين في المستقبل.
مذكرات رؤساء الحكومات أو المسؤولين في بلادنا دائما ما تتهم بالعوَر، ولا أقصد هنا مذكرات المرحوم ابن شاكر، فلا نعلم مضامينها حتى الآن، خصوصا في حقبة التحول ما بعد هبة نيسان والعودة الديمقراطية وإرهاصات مرحلة أوسلو واتفاقية وادي عربة، ولكن الجمهور بحاجة الى الاستفادة من دروس التاريخ لفهم معادلة الحل لمشاكل المستقبل، ومع هذا فإن مثل تلك المذكرات والتي هي موضة جديدة على مجتمعنا السياسي، كان من الممكن الاستفادة منها قبل عشرين عاما على الأقل لغايات الاستدلال في ما أخطأنا وما أصبنا كدولة ومسؤولين ونهج سياسي، لنتلافى الكوارث التي كانت لنا بالمرصاد.
نتمنى من رؤساء الحكومات أن يكتبوا مذكرات حقيقية وجريئة عن مرحلة تبوئهم المناصب وأهمها رئاسة الحكومة، وأن ينشروا أسرار العلاقات مع الدول الأخرى، ومفاصل الخلاف معها، وكيف تأتي الضغوطات من الدول الكبرى أو الممولّة، وماذا تريد الجهات المانحة، وأين نجحنا في الإمتحان وأين فشلنا، وماذا لو لم نتخذ قرارا ما وما هي النتائج، وكيف تراجع المجتمع السياسي الى هذا الوادي السحيق رغم التقدم السريع علميا وعمليا عالميا، ورغم التحولات الكبرى لدول أفريقية كانت تحكمها الغربان والوحوش الضارية فوق جثث المتقاتلين ثم تحولت الى الديمقراطية والحكم الرشيد.
كنا نتمنى لو أن المذكرات تكشف الإنجازات العظيمة للحكومات والرؤساء والوزراء، وكيف ينتقلون بنا عبر مراحل متطورة حافظت على ثرواتنا الطبيعية وهياكلنا الاقتصادية وطورت بناءنا التشريعي والسياسي، ودعمت صروحنا التعليمية والطبية وسيادة قرارنا الوطني، بدل النبش في قبور التاريخ التي هي مهمتنا نحن غير المسؤولين.
الراي