لا أظن أن في بلادي مدينة فرحة وحيوية نشطة تحتفل بالحياة كما الرمثا. فللمدينة حضور طافح في كل تفاصيل هويتنا الأردنية. فيها قادة للفكر وبيوت كرم وحكمة ومنها رجالات صدقوا ما عاهدوا الله عليه. وكلنا يعرف اول النوادي الرياضية التي حملت اسم البلدة وظل مصدرا لاعتزاز أهلها ورمزا من الرموز المشرفة للرياضة الأردنية ولا يوجد أردني لا يعي تعلق الرمثا بالتراث وإسهامات عائلاتها في الحفاظ عليه فقد بقيت مستودعا لتراث الأردن والعروبة وحوران في الرمثا ولد اكثر انواع الدبكة الأردنية إثارة وأخذ اسمه من اسم الرمثا ” الدبكة الرمثاوية”.
لقد كانت الرمثا وما تزال تقدم دروسا في المواطنة والحرص على الهوية والعطاء.في كل مرة تستعصي علي مسألة في التراث أهاتف أحد أصدقائي الرمثاويين فينجدني. منذ سنوات عكف الأستاذ الرمثاوي غازي مياس على إعداد موسوعة تراثية تحوي آلاف الامثال والقصص والقصائد. سألته ذات مرة عن سر تغني الأردنيين بطير الشوحة” يا طير الشوحة..يا طير الشوحة…اعطيني محرمتك إيدي مجروحة” فأجابني بعد أن عجز خمسة من الشعراء المعروفين وخبراء التراث عن الإجابة.
أجمل الاصوات التي تهدهدك بالحب والدفء وهي تشدو اشعار حبيب الزيودي المفعمة بالحب والتفاؤل تخرج من صدر وحناجر النجوم الرمثاويين متعب الصقار وحسين السلمان. ولا يمكن لحفلة عرس ان تنتهي هذه الايام دون ان يكون لصوت عيسى الصقار الذي يختلط بالزهو والفرح نصيب منها فقد أصبح الأردنيون وغير الأردنيين يألفون الصوت الرمثاوي الذي يمزج الطيبة والبساطة في صياغات عذرية تطرب الصبايا والشباب” ردي شعراتك…ردة ع ردة…”.
حضور أهلنا الرماثنة لا يتوقف عند حدود الأردن فهم الصورة المشرقة عنا في كل عاصمة اوروبية ومدينة وصلوا اليها. فقد مكنتهم التجارة وحب السفر من الوصول الى معظم حواضر اوروبا واستقر الكثير منهم في جنبات المعمورة. قبل عشرة اعوام واثناء زيارة لي إلى روما توقفت وزوجتي صدفة عند احد المطاعم الواقعة على الشارع المؤدي الى الفاتيكان وقد لفت نظرنا الديكور والتحف والرموز المعروضة على جدران المطعم. فقد زينت جدران المطعم بكوفية حمراء وخريطة الأردن وصور لمدن وقلاع أردنية. وما ان عرف صاحب المطعم الرمثاوي اننا من الأردن حتى تحول إلى شيخ من شيوخ حوران واصبحنا ضيوفا نحظى بدفء وكرم ورعاية ذلك الأردني الشهم.
في روما وبرلين ولندن كما في الرمثا يحمل الرمثاويون الأردن في قلوبهم ومقل اعينهم لكنهم مثلنا جميعا يتطلعون الى أردن اقوى واجمل وأحن..أردن يدار بالحب والرعاية وينعم بالأمن والازدهار.
الأردنيون تواقون الى مشروع نهضوي يحمل احلامهم ويعالج اوجاعهم فقد سئموا الاجراءات الترتيقية التي سرعان ما يتبين عجزها وسلبية آثارها على الاقتصاد والامن والعلاقة بين الدولة والمجتمع. الضرائب والرسوم واستمرار التفكير في رفعها كحل لمشاكل العجز وتناقص الايرادات لم تعد مناسبة فقد انهكت المواطن واضعفت الاستثمار ودفعت بالكثيرين الى البحث عن بلدان جديدة لاستثماراتهم واقامتهم.
الحكومة نفسها تتحدث اليوم عن أثر رفع الضرائب والرسوم على مختلف النشاطات الاقتصادية وعلى دخل الحكومة. ومع ذلك ما تزال العقلية المحاسبية تسيطر على فكر واجراءات الحكومة في سعيها لمعالجة مالية الدولة واختلالات الموازنة.
الارتفاع غير المفهوم في الضريبة المستوفاة على مشتقات النفط واستمرار حماية المصفاة والكهرباء وشركات توريد البترول وتوزيع الطاقة بالرغم من تحميل كل واحدة منها البلد كلفا اضافية لا حاجة لها امر يثير الكثير من القلق ويولد مئات الاسئلة حول الاسباب والدوافع في بلد يملك امكانات كبيرة لتوليد حاجته من الطاقة من مصادر متجددة ورخيصة.
الرمثاويون يقدمون مثالا لرؤية المواطن الأردني لدولته وحكومته وللحرص اللامتناهي على امن البلاد واستقرارها بالرغم من قسوة الظروف وتشديد الاجراءات. الى جانب الخوف من الافراط في التشدد والتضييق على مئات الاسر ممن ارتبطت اعمالهم بالافادة من ميزات الموقع واعتادوا التنقل اليومي عبر الحدود بين درعا والرمثا.
تحية لإخوتنا الساهرين على امن الوطن وتحية لأهل الرمثا القابضين على الكرامة الحريصين على صورة الأردن في هذا الزمن الصعب.
الغد