ستزهو يوماً بعد يومٍ بانجازاتك، حينها ستعظم في عين نفسك مدّعياً أنك على درايةٍ تامة بحقيقة كلّ ما هو محيطٌ بك من أناسٍ وأمورٍ كانوا يستهلكون كامل طاقتك بأنانيتهم وتفكيرهم الضيّق فقط، ومع ذلك كانت السعادة دائماً تغمرك بكلّ عطاءٍ كنت تقدمه لهم.
وفي مرحلةٍ زمنيةٍ ما، سيزداد تشويش فكرك، وستقف مشدوهاً وأنت تقلّب صفحاتٍ من عمرك مُتفحصاً إياها بعين الإنصاف، عندها سينتابك الذهول إلى درجة التّصنُّم، وستنهار حتماً أمام لحظة اعترافك لنفسك فقط أنك لا زلت في رحم هذه الدنيّا، لا زلتَ لا تستوعب مساراتها ولا حتى قوانينها بلْ لا تفقه إلا بالنزر اليسير منها.
في هذه المواجهة الحرجة ستنتابك حالةٌ من هستيرية الضحك والتساؤولات المتتالية المتسارعة التي تزيد من معاناتك الفكرية والنفسية لتثبت لك في نهاية المطاف أنك فعلاً لم تمكنك الدنيا منها بعد بعكس تماماً ما كنت تحسبه أنت،حتى أظهرت لك الكثير من الأقنعة حولك ليمسي كلّ شي حولك كئيباً محزناً صادماً.
كلّ هذا أصابنا لأننا وضعنا الكثير من الأمور والأشخاص المقربين لناكنا نعتقد ذلك في خاناتٍ خاصة جداً أسميناها خانات فوق المنطق، هذا كلّهُ كان باجتهادٍ منّا، فيتجلّى خُلقنا بأبهى صورته على حقيقتهِ ونخصهم بالقول نيتنا حسنة ونوايانا طيبة!!!ظناً منّا أنهم مختلفون.
ولأن هذه الخانات التي استحدثناها لا وجود لها أصلاً، فهي فوق المنطق، ينكشف من هم فيها على حقيقتهم دون مقصدٍ أو ترتيبٍ من أحد، أو ربما كان ردَّ ربّ العالمين لدعاء خاشعٍ خالصٍ من أُمٍ تنبض بالحبّ العميق لأبنائها أن يُغربل الناس من حولهم لهم، نعم انه الجواب النهائي يغرس مخالب الصدّمة بنا مدى العمر، فنحاول الهروب من الواقع الذي نعيشه مكتفيين بمراقبة غباء زيف أكاذيبهم واستغبائنا، ونحن نستشعر كل كلمة قالها المتنبي في بيته المشهور:
وحلاوة الدنيّا لجاهلها ومرارة الدنيا لمن عقلا.