تزوير الشهادات العلمية واستشراف المستقبل
السفير الدكتور موفق العجلوني
25-08-2019 01:52 PM
جذب انتباهي تغريده للأستاذ الدكتور جمال سند السويدي مدير عام مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية قال فيها: " هل يأمن احدكم على ابنه ان يكون استاذه في الجامعة من اصحاب الشهادات المزورة، وهل سيكون بوسع هذا الاستاذ ان يقدم له المعرفة، والعلم وان يطور من قدراته وهل يمكن ان يقيم اداءه بشكل صحيح، لا يوجد شخص أمن من الاثار السلبية لهذا المرض. السيطرة على هذا المرض ليس امراً صعباً او مستحيلاٍ، ولكن هناك خوف ولا اعلم له سبباً حتى الان من اعطاء الموضوع الاهمية التي يستحقها. لقد واجهنا ظواهر سلبية وأصعب وأكثر تعقيداً ونجحنا في القضاء عليها، وواجب المعنيين بمستقبل الوطن ان ينبهوا المجتمع الى خطورتها ".
كيف نستشرف المستقبل و بين مجتمعاتنا مزوري شهادات لا بل سارقين و هذه جريمة و جريمة تختلف عن كل الجرائم ، جريمة بحق طلابنا و ابناءنا ، جريمة بحق الوطن ، جريمة بحق المجتمع ، جرية بحق الانسانية لا بل بحق الحضارة و التقدم العلمي ، هذا في مجال العلوم الانسانية ، فما بالنا بتزوير الشهادات في مجال علوم الطب و الهندسة و الطاقة النووية والفلك ، و ما ينتج عنها من اخطاء طبية و انهيار ابنية و عمارات و بنى تحتية ....حقيقة المسألة خطيرة و لا بد التوقف عندها لإيجاد الحلول الناجعة ووقف عمليات التزوير لا بل عمليات تدمير المجتمع و تدمير العقل و الفكر ، و ما بني على باطل فهو باطل ، و ما بني على نور و علم و هداية فهو طريق استشراف المستقبل و طريق نجاح الافراد و المؤسسات و المجتمعات و بناء الانسان . تزوير الشهادات والسرقات العلمية لحاملي الشهادات العليا لا يتوقف عند تهديد المؤسسات العلمية فحسب، بل تهديد لمسيرة التنمية والتقدم العلمي والحضاري.
وبالتالي على الدول العربية كافة وربما من خلال المنظمة العربية للعلوم والثقافة التابعة للجامعة العربية والامانة العامة لاتحاد الجامعات العربية سن تشريع يلزم كافة الدول العربية بكيفية التعامل مع تزوير الشهادات العلمية. وانا هنا لست في موقع المشرع لتحديد الكيفية بوضع حد لعملية التزوير او بإيقاع العقوبات المناسبة لمزوري الشهادات وبائعيها ومروجيها وسماسرتها وهم كثر متواجدين في كل انحاء العالم ولهم مكاتبهم وسماسرتهم واجهزتهم.
هذه المكاتب تجني ملايين الدولارات من الطلاب واصحاب النفوس المريضة للتسلق الى المواقع العليا في التعليم او المناصب العليا في مؤسسات الدولة بحجة انهم من حملة الشهادات العليا. لذلك على كافة الدول العربية وخاصة وزارات التعليم العالي وهيئات الاعتماد في الدول العربية اتخاذ الاجراءات اللازمة لوضع حد لعمليات تزوير الشهادات، وعلى الجهات الرسمية في الدول العربية اغلاق هذه المكاتب التي تقوم بمنح الشهادات المزوره. واحياناً هذه المكاتب تتبع لجهات اجنبية بأسماء شتى اما علمية او اكاديمية او اعمال خيرية، وبالتالي لا بد من توخي الحيطة والحذر وكيفية مراقبة ومتابعة أعمال هذه المكاتب بهدف اغلاقها.
وكما اسلفت فان تزوير الشهادات جريمة قانونية لكن سببها ليس فقط غياب الوازع الأخلاقي أو الوقوع في فخ التضليل بل أيضاً اجتماعي. فبالرغم من التشجيع على التعليم المهني والفني والتقني إلا أنه بكل اسف ما زالت النظرة في مجتمعاتنا العربية لهذا النوع من التعليم على أنه أقل اجتماعياً من حملة شهادات الدراسات العليا كالماجستير او الدكتوراه. علما انه في الاعوام القادمة سيكون الطلب على التعليم المهني التقني أو التعليم الهجين والاحترافي أكثر عشرات المرات من الطلب على الشهادة الأكاديمية.
و بالتالي ان الحملة التي يقوم بها الدكتور السويدي بقلمه و فكره ، علاوة على قيادته لأكبر مركز دراسات و بحوث استراتيجية في الشرق الاوسط و اطلاعه على ما يجري في عالمني العربي والعالم ، هو جرس انذار للوقف الفوري لعمليات تزوير الشهادات العلمية .و في الوقت الذي يتجه العالم الى الثورة الصناعية الرابعة و الاعلام الرقمي و الامن السيبرالي و علم البيانات و الحس المدني لا زلنا نرى بين ظهرانينا اناساً ضعاف النفوس يهرولون باتجاه التزوير للحصول على مواقع ليس من حقهم ، علماٍ بأن حبل الكذب قصير و كما يقول المثل الشعبي " يذوب الثلج و يبان ما تحته .
وإذا عدنا الى ديننا الحنيف، واول اية نزلت على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم “بسم الله الرحمن الرحيم، اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم، علم الانسان ما لم يعلم. صدق الله العظيم. وبالتالي الشهادات العلمية تأتي بالتعب والسهر والبحث العلمي ونيل المعرفة واكتسابها وخوض بحر التجارب العلمية. من اجل خدمة المجتمع وخدمة التنمية الاجتماعية وخدمة الانسان بأشرف السبل التي يصل بها الانسان الى ارفع وأرقى الدرجات العلمية، ونحن نرى كيف حصل العلماء ورجال الفكر والاطباء والمهندسون على جوائز نوبل في مختلف العلوم. هذه الجوائز حصل عليها اصحابها بسبب حصولهم على الشهادات العلمية بجد واجتهاد وبعد مسيرة طويلة من البحث العلمي والتجارب العلمية في مختلف مجالات الحياة، وهؤلاء هم من يستشرفون المستقبل لا اولئك مزوري الشهادات العلمية والذين سرعان ما تنكشف خديعتهم لأنفسهم ولمجتمعاتهم.
المدير العام لمركز فرح الدولي للدراسات والبحوث الاستراتيجية