فيديوهات واحداث وخلفيات
اللواء المتقاعد مروان العمد
25-08-2019 10:24 AM
انتشرت خلال الايام الماضية اعداداً كثيرة من الفيديوهات عن احداث حصلت في الاردن او قيل انها حصلت فيه . وقد تراوحت هذه الفيديوهات ما بين اعمال عنف او تصرفات لا اخلاقية . وقد تم تداول هذه الفيديوهات بين المواطنين بكثرة ومعها كثرت التعليقات عليها واختلفت وجهات النظر بشأنها . وقد اتسمت بعض الردود بألعقلانية والواقعية فيما نحت تعليقات اخرى نحو الحدة والنقد اللاذع . واختلفت مواقف المعلقين عليها ما بين من يدعون لعدم تداولها ومن يجدون ان لا غضاضة من تداولها . ومن يعتبرون ان ما ورد في هذه الفيديوهات هي امور مرفوضة ولكنها تحصل في كل مكان في العالم وانها حالات عرضية واستثناءً من القاعدة . ومن يعتبرون ان ما ورد في هذه الفيديوهات اصبح هو السمة الغالبة لما يحصل في الاردن وصوروا الاردن وكأنه بلد الرذيلة والاجرام . و من يعتبر ان ما ورد فيها غير مخطط له ، ومن يعتبر ان هناك من يقف خلفها ويخطط لها . وبعضهم من اعتبرها مجالاً للتسلية واختراع النكات والتعليقات الظريفة عليها . وقد ظهر ان هناك من يحتكم الى مصلحة الوطن في الحكم على هذه الفيديوهات ومن لا يراعي للوطن اي مصلحة بل وجد بها مجالاً لممارسة هواية في الاتهام والتشكيك .
المهم انه كثر الحديث عن هذه الأحداث والفيديوهات ولم يبقى احداً الا ادلى بدلوه حولها . وكثرت النقاشات بين المتحاورين واختلفت وجهات النطر وتم التراشق يالكلمات الى درجة التجريح والاتهام احياناً .واصبحت هي الشغل الشاغل للجميع .
وانا لن اتحدث عن محتويات هذه الفيديوهات ولا يهمني ذلك ولكن ما سوف اتحدث عنه وما يهمني هو بعض التوظيفات المختلفة لهذه الفيديوهات .
- فقد عزا البعض حصول هذه الاحداث وانتشار هذه الفيديوهات الى سياسة الامن الناعم التي تتبعها الاجهزة الامنية مطالبين باستخدام سياسة الامن الخشن ، وتحصين رجال الامن عن اي مسؤولية عما يمكن ان يقومون به اثناء تنفيذهم لواجباتهم في ملاحقة الجريمة والمجرمين دون ان يفرق هذا البعض بين الامن الناعم الذي استخدم مع الاحتجاجات الشعبية خلال السنوات الماضية و بين التصدي للخارجين على القانون والذي فعلاً يحتاج الى اتباع اسلوب متشدد اكثر لظبط الامن الداخلى ولكن دون الافراط بإستخدام هذه السلطة .
- وقد عزا البعض حصول ذلك الى الترهل والضعف الذي اصاب الاجهزة الامنية بحيث اصبحت عاجزة عن القيام بواجباتها وطالبوا بضرورة معالجة هذه الحالة فوراً .
- فيما ذهب البعض الى ما هو ابعد من ذلك واتهموا الاجهزة الامنية بأنها هي التي تقف وراء هذه الاحداث وتصويرها ونشر هذه الفيديوهات بقصد اشغال الناس بها عن الظروف التي يعيشونها ، وقاموا بشيطنة هذه الأجهزة وكيل الاتهامات المختلفة بحقها رغم ما تقوم به من إجراءات لملاحقة الجريمة وتوفير الامن للمواطنين معرضين حياتهم للخطر في سبيل ذلك ، ودون ان يقدموا دليلاً على اتهاماتهم هذه ولا تفسيراً مقنعاً كيف يمكن لهذه الاجهزة ان توزع المشاركين فيها ما بين من يقوم بدور المعتدي ومن يقوم بدور الضحية والتي كانت في كثير من الحالات هي الموت ، حيث شهدت هذه الفترة وقوع عدة جرائم قتل وقعت ثلاثة منها فيى يوم واحد وفي انحاء مختلفة من البلاد واسفرت عن العديد من القتلى والجرحى .
- والبعض عزا ذلك الى ان الاجهزة الامنية تقف وراء حوادث العنف المسلح بهدف خلق مبررات لسحب السلاح من بين ايدي المواطنين مدعين ان السلاح بيد المواطنين هو من كرامتهم وانه سيكون وسيلة للدفاع عن الوطن عندما يتطلب الأمر ذلك متجاهلين ان هذا السلاح لم يستخدم من قبل من يملكونه حتى الآن لتحقيق هذا الهدف في جميع الاعتداءات التي تعرض لها الوطن باستثناء ما حصل عند قلعة الكرك حيث تصدت مجموعة من المواطنين بأسلحتها للارهابيين وهو الامر الذي اقره واقدره ، ولكنه هو نفسه الذي كان السبب في ارتفاع عدد الشهداء والجرحى من المواطنين والاجهزة الامنية والتي انصرف اهتمامها عندما وصلت الى مكان الحادثة لحماية المدنيين الذين تجمعوا هناك وابعادهم عن منطقة الاشتباك معرضين حياتهم للخطر في سبيل تحقيق ذلك . ومتجاهلين ان حروب اليوم لم يعد يحسمها سلاح فردي في يد مواطنين مدنيين او حتى في يد جيوش منظمة في زمن التكنلوجيا والحروب عن بعد ، وان هذا السلاح لم يظهر امام الأعين الا في حفلات الاعراس والمناسبات واطلاق الرصاص في الهواء وما ترتب على ذلك الفعل من تعريض حياة المواطنين الى الخطر وسقوط الكثيرين منهم قتلى او جرحى اثناء هذه الاحتفالات . كما ان هذا السلاح لم يظهر الا في المشاجرات العائلية والعشائرية وتحت غطاء فورة الدم . وفي عمليات القتل وتصفية الحسابات او اثناء المشاجرات العادية ، ولقد ثبت ان السلاح بين ايدي المواطنين في دولنا العربية لم يثبت فعاليته الا في الحروب الاهلية والاقتتال الداخلي فيها . وموقفي هذالا يعني انني مع فكرة نزعه من بين أيدي المواطنين واقر بصعوبة تحقيق ذلك ، ولكني بشكل عام ضد انتشاره بهذه الكمية والنوعية بينهم . وانه لابد من اتخاذ إجرآت لضبطه وتنظيمه والسيطرة على تجارته ومنع تهريبه الى البلاد
- والبعض عزا هذه الاحداث الى انتشار الرذيلة والدعارة بين الناس والى تواجد الاندية الليلية مطالبين بإغلاقها والتصدي للدعارة مع ان كل الاحداث التي حصلت والفيديوهات التي انتشرت ليس لها علاقة بالدعارة ولا تتضمن أية اثباتات عليها لا فيما يتعلق بحادثة مداهمة بعض النوادي الليلية ولا بحادثة الصويفية ولا بحادثة شارع الجاردنز الا بمقدار ما ورد من اقوال من خلال تعليق المعلقين . فقضية مداهمة بعض النوادي الليلية من قبل الاجهزة الامنية كانت بسبب اخلال هذه الاندية بألقوانين وعدم الحصول على اقامات قانونية لبعض الفتيات الاجنبيات العاملين بها ولعدم دفع بعض الرسوم والضرائب المترتبة عليها او لممارسة بعض الاماكن عملها من غير ترخيص قانوني . علماً بأن القانون الساري المفعول يتيح امكانية منح تراخيص لفتح مثل هذه الملاهي ضمن اشتراطات معينة وان هذا القانون يتيح تشغيل الفتيات فيها كفنانات او نادلات وبما فيهن من يحملن الجنسية الاردنية .
- كما ان حادثة الجاردنز لم تبدوا من خلال الفيديو الا عبارة عن مشاجرة اثر حادث سير كانت فتاتان من المشاركين فيها ترتديان ملابس فاضحة وتتصرفان تصرفات لا اخلاقية دون ان تتضمن اية اشارة لممارسة الدعارة . كما ان اطلاق النار في الصويفية لم يثبت علاقته بالدعارة أيضاً ، وانما وكما ورد في الفيديو يشير الى خلافات ومشاكل سابقة بين المعتدين والمعتدى عليه قد يكون لها علاقة في الملهى الليلي الذي يملكه الأخير وان لم يتبت ذلك ولم نجد من يبحث عن الحقيقة مكتفين بالقول ان الضحية صاحب ملهى ليلي ومطالبين بأغلاق الملاهي الليلية .
- لقد اعاد اردوغان الاسلام لتركيا رغماً عن انف الدولة العسكرية الاتاتوركية العلمانية المعادية للدين وأصبحت تركيا زعيمة العالم الاسلامي السني واصبح هو زعيمه وقائده ومثله الأعلى ، ولكن اردوغان لم يقم بإقفال النوادي الليلية ولم يضع قيوداً على حرية الكثير من الممارسات على الشواطئ التركية ليحافظ على زخم النشاط السياحي والذي كان سوف يتأثر سلباً لو فعل ذلك . ولكنه وبدلاً من ان يشهر سيوفه في وجه هذه المحال والاماكن والتي هي اماكن جذيب سياحي ، فقد خلق نشاطاً سياحياً جديداً يتمثل بالسياحة الاقتصادية والصناعية والتجارية والاسكانية بحيث تفوقت على السياحة بمفهومها الترفيهي القديم وان لم تلغيها . فلماذا يطلب منا ان نغلق النوادي الليلية عندنا والتي هي من الاماكن الجاذبة للسياحة الخارجية في حين ان السياحة اصبحت الآن هي النشاط الوحيد الذي يحقق دخلاً للاردن بدلاً من طلبنا بضروة اخضاعها جميعها للمراقبة المستمرة وضمان ان لا يتم القيام بها بممارسات لا اخلاقية ولا ان تسهل حصول ذلك خارجها ، وملاحقة جميع المحال التي تمارس هذا العمل من غير ترخيص قانوني ومنعها من القيام بذلك او اغلاقها . وبنفس الوقت التركيز على تنميةالنشاط السياحي العلاجي والاقتصادي والتاريخي والاسكاني كما فعلت تركيا .
- نعم ان ما حصل خلال الايام الماضية ربما كان يزيد عن المعدل الطبيعي للجرائم التي تحصل في الاردن في نفس المدة الزمنية ، ولكن لو نظرنا اليها ضمن المعدل العام للجريمة في الاردن لوجدنا انها ضمن الحد الطبيعي وان اجهزتنا الامنية استطاعت ان تحل غالبية هذه الجرائم وتضع يدها على المشاركين فيها ، وانه سبق وان وقعت احداثاً مثلها واكثر منها بكثير في السابق . ولكن هذه الاحداث صدف وان حصلت خلال مدة قصيرة نسبياً وانه تم تصويرها وبثت فيديوهاتها ونشرت اخبارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وانه تم تلقفها من قبل مجموعة من المواطنين الذين عملوا على نشرها بطريقة اعطت انطباعاً بأن الامن مفقود وان والرذيلة منتشرة في شوارعنا .
- ولكن ورغم ذلك كله فقد كانت مواقف الغالبية العظمى من المواطنين ايجابية ورافضة لاي تشكيك أو اتهام ينال من اجهزتنا الامنية المختلفة . ورافضة لفكرة نشر مثل هذه الفيديوهات لما تمثله من اساءة للاردن ومن اعتداء على خصوصية من تنشر عنهم الفيديوهات حتى لو كان ما قاموا به امراً مخالفاً للقانون والذي هو علية ان يحاسبهم على ما اقترفوه دون التشهير بهم قبل ادانتهم . وقد طالب الكثيرون بتفعيل قانون الجرائم الالكترونية ومحاسبة من يقوم بنشر مثل هذه الفيديوهات وتغليظ العقوبة عليهم وكما تفعل الدول الديمقراطية المتقدمة والتي تحترم خصوصيه مواطنيها في جميع الظروف والاحوال .
- لقد أخذ موضوع هذه الفيديوهات اكبر من حجمه كما قام البعض بدس فيديوهات عن احداث قديمة لم تحصل في الاْردن على انها جديدة وحصلت فيه ، وكل ذلك يعطي انطباعاً بأن ما حصل ليس أمراً عفوياً ، بل انه امراً منظماً وأن هناك من يقف خلفه ويستغله لصالح اجندات وغايات معينة اقلها نشر الفتنة بين المواطنين وتشويه الصورة المعهودة عن الاردن بأعتباره بلد الامن والأمان ، مما يتطلب منا كمواطنين المزيد من الوعي والانتباه وعدم التعامل مع مثل هذه الفيديوهات وعدم تبادلها ونشرها ولنتقي الله في هذا الوطن.
- ملاحظة / كنت قد كتبت هذا المقال منذ ايام وحتفظت به . الا ان ما جرى في مدينة الرمثا العزيزة على قلوبنا شجعني على نشره ليكون مدخلاً لي للحديث عما جرى بها من احداث مؤسفة في وقت لاحق