في كتابه فلسفة القانون يتناول مؤلفه روبرت ألكسي –والذي يعد من فلاسفة القانون المعاصرين- العلاقة بين القانون والأخلاق. وفي معرض بحثه لهذه العلاقة يعرضُ ألكسي للمادة (20) من الدستور الإتحاديّ الألمانيّ والتي تنص في الفقرة الثالثة منها على أن السلطة القضائية والسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ترتبط بالقانون والحق طبقًا للدستور.
إبتداءً لا بدّ منَ الإشارة إلى أنَ ارتباط السلطات بالقانون هو ارتباط تقليدي تنص عليه الدساتير وتؤكد عليه عادةً، أما أن ينص الدستور على ارتباط السلطات جميعها بالقانون والحق معًا إنما يعكسُ رؤية تشريعية وإرادةً نحو الوصول إلى العدالة وسعيًا نحوها ويجيب عن سؤالٍ طالما شكل جدلًا وأرقًا في الوقت ذاته للأفراد، فماذا لو كان القانون مجافٍ لمنطق الحق والعدالة ؟
هذا النص القانونيّ (نص المادة 20/3 من الدستور الألماني) كان الطريق المؤدي إلى الحكم الصادر عن المحكمة الإتحادية الألمانية عام 1973؛ حيث لم تتقيد المحكمة بالنص الوارد في القانون المدني أنذاك والذي لا يجيز الحكم بالتعويض النقدي عن الأضرار غير المادية (الأضرار المعنوية) إلا في حالاتٍ ضيقةٍ محددةٍ قانونًا؛ حيث حكمت المحكمة بالتعويض النقدي عن المساس الخطير بالحق في الحياة الخاصة (الحق في الخصوصية) والتي لا تندرجُ هذه الحالة من ضمنها.
وقد صدقت المحكمة الدستورية الإتحادية قضاء المحكمة الإتحادية معللةً ذلك بأنَ الحق لا يتطابق مع مجموعة القوانين المكتوبة في بعض الأحيان، ففي مقابل القوانين واللوائح الموضوعة من قبل سلطات الدولة يمكن أن ينشأ في ظل الوقائع أكثر من حقّ يكون مصدره النظام القانوني الموافق للدستور بإعتباره مفهوما كليًا عامًا ويؤثر في المقابل على القانون المكتوب بمجمله، وعلى القضاء تقع مهمة إيجاده ووضعه موضع التنفيذ في الأحكام.
وفي موضع آخر وفي سياق تعليل المحكمة الدستورية الإتحادية العليا الألمانية لتجريد بعض أحكام النصوص القانونية من السّريان لأنها تنافي المبادئ الجوهرية للعدالة بشكلٍ صارخٍ أشارت المحكمة إلى أنَ القانون والعدالة ليس تحت تصرف المشرع، وانَ النص القانوني الجائر الذي يخرقُ المبادئ الأساسية للحق لا يصبح قانونًا لمجرد أنه طُبق أو أتبع.
بالرغم من أنّ الاتجاهات القضائية السابقة قدّ تكون موضع جدلٍ لدى البعض إلا أنّها تستدعي التوقفَ مطولًا أمام هذا الفهم العميق لفلسفة القانون ووظيفته الأساسية في بناء دولة الحق، وفي التماس مختلف السبل المؤدية إلى طريق العدالة. طريق العدالة المؤدي إلى بناء مفهوم الأمن القانونيّ لدى الأفراد الذي من شأنه أن يخلق الإيمان الراسخ لديهم بأن القانون جاء حمايةً لهم ولحقوقهم وحرياتهم ولم يأت لينتقص منها بغطاء قانوني شرعيّ مهما خالف القانون النافذ منطق الحق والعدالة.