التخطيط الاقتصادي وانعكاساته
د. منذر النمر العبادي
24-08-2019 07:40 PM
بدأ مفهوم التحول الاقصادي في الظهور بعد الحرب العالمية الثانية و كان الهدف الرئيسي منه التحول من الاسواق العسكرية الى الاسواق المدنية من خلال عملية اعادة استخدام الموارد العسكرية لخدمة المجتمع المدني و ما نتج عنه من ثورة صناعية حيث تم تطبيقها في امريكا و اوروبا و جنوب افريقيا و امتدت الى التسعينات مع تحول في المفهوم من التحول الاقتصادي الى التنوع الاقتصادي و الذي تراجع بحكم عدة عوامل اهمها مكافحة الارهاب و الازمة الاقتصادية و غيرها.
في الاردن و برؤية ملكية ساميه تم تبني برنامج التحول الاقتصادي و الاجتماعي في عام 2001 و بدأ التنفيذ به 2002 و المتمعن في اهداف البرنامج يستبشر بكل خير حيث كان يركز على تنمية الموارد البشرية و مكافحة الفقر و البطالة و نتمية المحافظات و اعتماد برامج الخصخصة و استقطاب الاستثمار الخارجي و هنا نرى انه لم يتحقق منه الا مشاريع خصخصة و التي لم يتم تقييم المردود الاقتصادي منها و تدور حولها كثير من التساءلات.
وبالاطلاع على الخطط الاقتصادية منذ عام 2002 الى اخر اصدار لمجلس السياسات الاقتصادية لعام 2019-2020 نلاحظ ان الحكومات المتعاقبة تبنت اكثر من خمس خطط اقتصادية و انها رغم حجم التقارير الذي يتعدى كل منها عن 150 صفحة الا انها تشترك في المحتوى من حيث الاهداف و التحديات رغم اختلاف الفترات الزمنية و الظروف الاقتصادية.
وبمسح شامل للفترة الاقتصادية نلاحظ ان ذروة التعافي الاقتصادي كانت من عام 2003 الى 2008 و تلاها انتكاسة اقتصادية امتدت من عام 2009 الى عامنا هذا بسبب عدة عوامل خارجية اهمها الازمة الاقتصادية و الربيع العربي واثار اللجوء من دول الجوار و منها عوامل داخلية في مقدمتها سوء التخطيط الاقتصادي هو صلب الموضوع.
فبالرغم من تعدد الحكومات و طروحاتها و المبادرات الاقتصادية خلال عشر السنوات الاخيرة الا ان هنالك تراجع واضح في الاداء الاقتصادي و عجز في الموازنه العامة للدولة و ارتفاع المديونية بشكل يشكل تهديدا حقيقيا و تراجع للصادرات و ندرة الاستثمارات الخارجية و ارتفاع معدلات الفقر و ارتفاع لمعدلات البطالة و تفاوت التنموي الهائل بين المحافظات و غيرها من الاثار السلبية تدعونا للتسالئل ما الجدوى من الخطط الاقتصادية و برنامج التحول الاقتصادي .
وعليه كان من باب الاولى عمل تقييم شامل لجميع الخطط و التي لم تاتي ثمارها من خلال استخدام اسس القياس الاقتصادي ( مؤشرات الاقتصاد القياسي ) و الوقوف عند الاسباب الحقيقية لها من خلال الشراكة مع ممثلي القطاع العام و الخاص و الاستعانه بخبرات و معرفة الاكاديممين من ذوي الاختصاص مع التركيز على القطاعات الانتاجية و لا يعيب الاطلاع على تجارب الدول التي حققت نجاحات في تبني برنامج التحول الاقتصادي من بينها البرازيل , ماليزيا, كوريا الجنوبية و تركيا.
وعليه لا تكمن المشكلة لدينا في اعداد الخطط الاقتصادية انما في تطبيقها فعوضا عن المبالغة في صياغة الخطط الاحرى التركيز على تطبيقها, حيث لا تجدي الخطط لو لم تلامس الواقع و يشعر المواطن من اثارها على حياته اليومية . تنقص الخطط ايضا الاتساق الزمني و العمل على تطبيقها لفترة طويلة الامد لا تقل عن خمس سنوات مع مراجعه دورية لها بشكل سنوي و من معيقات التطبيق لها ارتباطها بالاشخاص فكل حكومة تستحدث خطط خاصة بها بدلا من الاستمرار في ما سبقتها.
الشأن الاقتصادي سؤاء من برنامج التحول الاقتصادي او الخطط اقتصادية هي عصب الدولة و انعكاساته تطال جميع مناحي حياة المواطن اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا لذا يجب العمل بواقعية و اسس علمية بدلا من التخبط في السياسات الاقتصادية. حالة الركود الاقتصادي و حالة الاعياء التي تطال كل القطاعات و الاستنزاف المفرط لدخل المواطن و الفجوة التنموية بين المحافظات و غيرها تشكل تهديدا حقيقيا للدولة و بداية الطريق للاصلاح تكمن في الثبات و التساق و الواقعية في التخطيط الاقتصادي , يكفي تنظير حكومي فالصورة مشوهة و الواقع مخيب.