هل باستطاعتنا الاستغناء عن المدارس في العملية التعليمية بعد الآن، هل سنصل إلى المرحلة التي تمكن كل طالب من الوصول إلى المعلومة التي يبحث عنها في غضون ثوانٍ معدودة، وبهذا تصبح العملية التعليمية كلها سواء في المدرسة أو في الجامعة مجرد عادة قديمة، سيما وأن المدارس بصورة عامة، بقيت على حالها على مدى عقود طوال والواقع بقي نفسه، صفوف من المقاعد يجلس عليها الطلبة والمعلم يقف في المقدمة يلقن المعلومات للطلاب دون حوار أو تفاعل فعّال، وظلت كذلك تعزز الهرمية والسلطوية كالوقوف في الطابور، والجلوس في المقاعد، ورفع الإصبع عند الاستئذان وحتى التقيّد بالمناهج، والتدرّج في المراحل الصفيّة، وبالتالي حوّلت الإنسان إلى كائن مطواع مسلوب الإرادة، مجرد أداة في آلة المجتمع، يلتزم بما يتاح له من فرص وأدوار!
بقيت المدرسة منذ القدم، مباني ذات بنية تحتية مدمرة ومرافق مهدمة وجدران باهتة وممرات لا تبعث على الراحة ولا على التأمل! وجدران اسمنتية يحتجز بها خمسين طالبا في غرفة صفية خانقة وغير صحية وخالية من الوسائل والمثيرات البصرية والتجهيزات السمعية والآت العرض المرئية واقصى أمنيات الطلبة فيها أن يغيب معلم الرياضيات أو يمرض معلم الكيمياء أو أن تمطر السماء ثلاث أيام بلياليها بدون انقطاع أو تتجمد الأرض ليغيبوا عن المدرسة لعدة أيام أو أن تصبح كل أيام السنة عطلة بسبب كارثة طبيعية ستدمر مدرستهم التي لا يحبونها! ناهيك عن أن المدرسة تعاني أساساً من المعلم غير الكفء، المعلم الذي ينتظر راتبه في آخر الشهر بدون إيلاء مهنته ولو بقليل من الجهد للارتقاء بعملية التعليم، وتعاني من مدير يحابي المعلمين الذين يقدمون له السندويشات كل صباح لكي يكتب بهم تقارير رائعة ولكي يجدوا تسهيلات في الغياب والخروج مبكراً من المدرسة!،
مشكلة المدرسة الآن أنها أصبحت مملّة بامتياز في نظر الطلبة والتربويين أيضاً في عصر أصبح الطالب بمقدوره أن يحصل على المعلومة التي يريدها في غضون ثوان، كي لا وأن المدرسة تبنت نظاماً تعليمياً تقليدياً لعقود طوال يقوم على حفظ المادة وتسميعها دون معرفة معناها وهي مرشحة بما هي عليه من ملل أن تصبح سمةً من سمات العصور الماضية التي عفا عليها الزمن. مناهجها تعود إلى مئات السنين، حيث كان البشر يتناقلون المعرفة من بعضهم البعض عن طريق أطنان من الأوراق المكتوبة بخط اليد، بدون هواتف وبدون إنترنت، وبدون وسائل تواصل اجتماعي حديثة وفائقة السرعة، غير أنها انتهجت نظاماً نمطياً لا يتوجه إلى دواخل الطلاب ورغباتهم ومعرفة ما يحبون تعلمه بل نظاماً تعليما مسلوقا بلا طعم ولا لون ولا رغبة.
هذه المدرسة بهذه المواصفات والمقاييس مهددة بالزوال ولا وجود لها في ظل عالم رقمي بامتياز وفي ظلّ مشهد تكنولوجي تتضاعف فيه المعرفة يومياً ولا ينفكّ يتحول ويتغير بابتكار جديد كل يوم فيؤثر بشكل جذري في طريقة عمل الناس وتواصلهم.
ستصبح بشكلها الحالي وجوهرها الباهت من ضمن مقولة " غابر الأيام وسابق العهد والزمان عند رواية القصص العجيبة لأطفال 2050 الذين لن يذهبوا لمدارس مشيّدة ولا لغرف صفية مكدسة بالعشرات، بل في انتساب تكنولوجي لمدارس مستقبلية تعمل عن بعد وبتقنيات عالية ومستويات تكنولوجية رفيعة ومناهج متقدمة مطروحة لكل أطفال العالم بنفس المنهجية والتسلسل النفسي وبنفس الرتم والتقليد العالمي في استقبال واستيراد المعرفة بلا حواجز وهمية ولا مخاوف أمنية ولا قلق.
taasoleiman9@gmail.com