على أجنحة جلال الدين الرومي
رشاد ابو داود
23-08-2019 01:23 AM
يتساءل توني ماك آدمز استاذ القانون والادارة الاميركي في كتابه « في القانون والبزنس والمجتمع» : هل تملك اميركا حياة ثقافية راقية ؟ ويجيب : لعقود ونحن نخشى اختفاء الثقافة الرفيعة والموسيقى الكلاسيكية والأوبرا والباليه أمام هجمة موسيقى الروك والتلفزيون والكتب الهزلية، ويبدو أن المعركة انتهت لصالحها، وامتدت ظاهرة الثقافة الشعبية على معظم انحاء العالم ومنها عالمنا العربي.
فالاستماع الى محمد عبد الوهاب يغني من كلمات احمد شوقي « مضناك جفاه مرقده / وبكاه ورحم عوده/حيران القلب معذبه / مقروح الجفن مسهده،او الى فيروز تغني يا جارة الوادي / طربت وعادني ما يشبه الاحلام من ذكراك غير الاستماع الى اغنيات مثل :أنا من غيري أنا /رقصني أنا / دلعني أنا وتوتا توتا شطبنا خلاص الحدوتة!.
الحداثة ليست السخافة، والتحديث ليس التسطيح. الشعبوية أن يرتقي الابداع بذوق المتلقي لا أن يهبط به الى مستوى الخصر وما دون. الأغاني يجب أن تغنى بطبقات الصوت لا بطبقات الفساتين التي بلا طبقة واحدة.
العالم معظمه ينحدر الى الغابة؛ حروب وحبوب مخدرة وجرائم قتل وسرقات وفساد واحتلال، تفسخ مجتمعي وانحلال أخلاقي وتدهور صحي. الأطفال أمهاتهم مربيات، والأمهات «مش فاضيات»، الصبية ملعبهم شاشة الآيباد والبليستيشن، عظامهم تضمر وعقولهم تحلق في الخيال، لا رماية ولا سباحة ولا ركوب خيل.
لكن ثمة أملا، الكلمات الرقيقة التي تحمل معاني عميقة تبقى خالدة رغم ضجيج «الدي جيه» والموسيقى الصاخبة التي تذهب بالعقل لا ترسخ فيه.
قبل عشر سنوات كنت حين تسأل عن الشاعر الأكثر شعبية في الولايات المتحدة، كان الجواب الشاعر جلال الدين الرومي، وذلك في مؤشر على اهتمام الأميركيين بهذا الشاعر، وكانت منظمة اليونسكو قد خصصت العام 2007 عاما دوليا للاحتفال بالمئوية الثامنة لميلاد الرومي..
جلال الدين الرومي هو الذى جعل لورا بوش تضع كتابه فى صورتها وهي تحتفل بفوز زوجها بفترة رئاسية ثانية؟ وهو الذى دفع مادونا لكي تغني له،» تعلم كيف تقول وداعًا «.
لماذا يجتاح الناي معظم المقطوعات الموسيقية وهو الذى اختصه بمقدمة يحكي فيها الناي كيف أصبح يعاني من آلام الفراق منذ أن كان غصنا وقطع من الغابة والناس يبكون لحزنه.
العالم يبحث عن نغمة السكون، عن شىء يرفع تناقض الأوضاع أو وتريات يهتز لها القلب من خلال التزاوج بين الترانيم الشرقية والتصوف المسيحي والإسلامي والإيقاعات الغربية الإلكترونية.
لقد ترك لنا جلال الدين الرومي الكثير من الحكمة والبصيرة من خلال حكمه الجميلة والقوية التي تنطبق بنفس القدر على عالم اليوم، كما فعلت في القرن الـ 13، انه شاعر فارسي، وداعية إسلامي، وعالم اللاهوت، ومعلم روحي، وقدم لنا منظورًا فريدًا عن الكون والحياه يمكننا جميعًا ان نستلهم منه معاني السلام النفسي والتصالح مع الذات.
لقد قدم الرومي للبشرية دروساً خالدة . فهو الذي قال:
«لقد ولدت مع امكانات. وقد ولدت مع خير وثقه في داخلك. لقد ولدت مع مُثل واحلام. وقد ولدت مع العظمة. لقد ولدت باجنحة. لا يفترض بك الزحف، لذلك لا تفعله. لديك اجنحة، تعلم كيفية استخدامها وحلق» .
«لا تتجنب خوض التجارب الصعبة.. فهي معلم رائع».
«الجرح هو المكان الذي يوجد فيه الضوء الذي يدخل الي اعماقك.
هذه الالام التي تشعر بها انما هي رسل، فاستمع لهم».
«لا تلتفت بعيدًا. حافظ علي بصرك على مكان جرحك. هناك حيث يدخل الضوء اليك».
«اذا تملكك غضب من صغائر الامور، فكيف سيشتد عودك؟»
«لا تحزن، فاي شيء تفقده ياتي في شكل اخر».
«توقف عن التصرف على نطاق ضيق جدًّا، فانت الكون في اوج عنفوانه».
«بالامس كنتُ ذكيًّا، لذلك اردت تغيير العالم، اليوم انا حكيم، لذلك اريد التغيير من نفسي».
عالم اليوم فعلا يتغير للأسف الى الأسوأ ! لكن كما تغني فيروز «ايه في أمل، أوقات بيطلع من ملل، أوقات من شي حنين «.
الدستور