في رهانات التعديل أو التغيير الحكومي
د. محمد أبو رمان
28-10-2009 05:34 AM
بالرغم من إخفاق المواعيد السابقة العديدة التي رسمتها رهانات وتسريبات التغيير أو التعديل الحكومي، إلاّ أنّ هذا الموضوع ما يزال إلى الآن من القضايا الساخنة والأكثر تداولاً لدى النخبة.
ثمة شعور عام، أقرب إلى الاتفاق، أنّ شيئاً ما سيحدث قبل استحقاق الدورة البرلمانية العادية المقبلة بداية كانون الأول، وأنّ "مطبخ القرار" يقلّب الخيارات والبدائل والاحتمالات، التي تشمل المؤسسات السياسية الكبرى (الحكومة والبرلمان) وغيرها من تغييرات في مواقع سياسية.
بعيداً عن التسريبات، الموجهة وغير الموجهة، و"لعبة التحزير" الحالية، دعونا نشارك في التفكير في الأسباب التي تقف وراء خيار التعديل أو إعادة التشكيل أو حتى خيار تغيير الحكومة.
في حال كان القرار إعادة التشكيل أو التعديل، فإنّ الهدف الرئيس لمطبخ القرار ومعه الرئيس الحالي سيتمثل بإزالة التناقضات الصارخة بين أعضاء الفريق الحكومي، التي برزت للعلن وأخذت صورة "المعركة الإعلامية" بين وزير المالية باسم السالم ووزيرة التخطيط سهير العلي، وكذلك عدم انسجام الرئيس مع عدد من الوزراء في الأيام الأخيرة، وعدم رضا مؤسسات داخل الدولة واستياء بعثات دبلوماسية من بعض الوزراء في الحكومة الحالية.
الهدف الآخر من التعديل (أو إعادة التشكيل) يتمثل في إخراج المزاج السياسي العام من حالة الترقب للتغييرات الكبرى، والاكتفاء خلال الشهور الأخيرة بتعديلات تعيد الزخم والثقة بالنفس إلى أعضاء الحكومة، وتمنح "مطبخ القرار" فرصة جديدة وأطول لاختبار البدائل والخيارات في ضوء المتغيرات الإقليمية، وتحديداً مسار العلاقة مع الحكومة اليمينية الإسرائيلية، ومآلات معركة القدس الحالية.
الاحتمال الأصعب يكمن فيما لو افترضنا أنّ هنالك تغييراً حكومياً، خلال الأسابيع القريبة، فإنّ السؤال الأهم في مدى قدرة الرئيس الجديد وفريقه في التصدى لتحديات داخلية وخارجية عاصفة.
أمام الرئيس الجديد سيكون هنالك عجزٌ كبيرٌ في الموازنة العامة، مع بروز مؤشرات على ارتفاع أسعار النفط، وتأخر المساعدات الخارجية الموعودة، ومواجهة لمخرجات المسار الاقتصادي الحالي التي خلقت تصدعات اجتماعية كبيرة، وجيوب فقر وحرمانا اجتماعيا لدى شريحة واسعة من المجتمع.
ما يزيد من صعوبة المهمة الاقتصادية في المرحلة المقبلة أنّنا على أبواب فصل الشتاء، مما يرفع من كلفة الحياة اليومية على المواطنين، ويعزز من الأعباء الاقتصادية، في ظل ظروف اقتصادية صعبة، كفيلة بخلق حالة من التوتر والاحتقان الشعبي.
سياسياً، فإنّ التحدي الأبرز والأهم يتمثّل في تراجع "هيبة الدولة"، بصورة غير مسبوقة، بشهادة خبراء السياسة الأردنية، ما أدّى إلى انفجار العنف الاجتماعي، وتراجع أداء المؤسسات الرسمية والتطاول على سيادة القانون والأمن، وبروز شرخ واضح بين الدولة والمجتمع.
خارجياً، هنالك التهديد العلني والمباشر الذي باتت تمثله الحكومة اليمينية الإسرائيلية، وما باتت النخب السياسية (هنا) تطلق عليه "الحرب الدبلوماسية الباردة" بين الأردن وإسرائيل، وفي صلب ذلك معركة القدس وحماية المقدسات الإسلامية فيها.
ذلك يأتي مع تراجع رهانات مطبخ القرار على قدرة الإدارة الأميركية في الضغط على إسرائيل، وما يثيره ذلك من مخاطر على الحالة الفلسطينية، وتساؤلات تمس المعادلة الداخلية الأردنية، مما يجعل من سؤال إعادة قراءة الرهانات الأردنية للمعادلة الدولية والإقليمية مسألة ذات أولوية ملحة في المرحلة المقبلة.
يتوازى مع هذه الاعتبارات والاستحقاقات شعور لدى "النخب السياسية" بعدم صلابة التحالف العربي المساند، سياسياً واقتصادياً، في دعم الأردن لمواجهة التحديات القريبة المقبلة وخسارة الأردن لجزء كبير من أوراقه الإقليمية.
في المحصلة، أية قراءة موضوعية للأيام المقبلة تؤكد أنّنا أمام تحديات سياسية واقتصادية، داخلية وخارجية، جدّية وحسّاسة، تتطلب حكومة إنقاذ وطني ورئيسا بمواصفات استثنائية، وذلك خيار مغاير تماماً لمواصفات رئيس الحكومة في تصور "مطبخ القرار" خلال الحقبة الأخيرة!
ما دامت آليات إفراز الحكومة لم تنضج بعد وفق قواعد اللعبة الديمقراطية، فإنّ هذه القراءة تعني، بالضرورة، أن يكون هنالك تفكير في الأسباب الحقيقية لتغيير الحكومة والقيمة المضافة النوعية للرئيس والحكومة الجديدة، وأهم ما في ذلك إعادة تجسير العلاقة بين الدولة والمجتمع، في ظل شرخ يتنامى بصورة فجّة، وإلاّ فإنّ التغيير سيكون عنواناً من عناوين الأزمة السياسية الداخلية!
عن الغد