كنت حتى وقت ليس ببعيد أظن باقتصار معنى الفزع على الخوف فقط ، وأن استخدام لفظ " الفزعة " أمر مستحدث على لغتنا العربية ، وتبين لي أن الإغاثة هي من معاني الفزع . وأشار أحد معاجم العربية إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع " .يشتكي أحدهم لجاره ما فعله ابنه العزيز من اعتداء على ابن الشاكي ، قولا أو فعلا ، فيهب والد المشتكى عليه بالدفاع عن ولده البريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب ، وأن " القطة بتوكل عشاه " وهو حَمَل وديع ، مهذب ، ولا يصدر عنه من يعيبه ، وأن الشكوى مجرد افتراء من ابن الأول ، وتتبين لاحقا الفعلة الشنعاء لابن المشتكى عليه .
يجأر مواطن بشكواه ، من سوء معاملة ، أو إطالة ومماطلة في الحصول على وظيفة ما ، أو خدمة رسمية من دائرة حكومية معنية بها ، وفرّها له القانون وضمنها له ، فيرتفع صوت المسؤول عند مراجعتة من قبل جهة إعلامية له ، أو من جهة أعلى منه وظيفيا ، أن الشكوى عارية عن الصحة ، وأن العدالة والمساواة والشفافية هي شعار المؤسسة ، ونهجها الذي لا تحيد عنه ، ويسرف بالدفاع عن المؤسسة التي يرأسها ، بل ويستميت لإظهار أن المسألة كيدية تستهدف النيل من المؤسسة والإساءة لها ، وقد يميل لبعض الموضوعية ليصنف الشكوى بأن ضرب من المبالغة والتهويل . كما تتكفل مديريات ودوائر وأقسام العلاقات العامة بمهمة الدفاع عن المؤسسة ، ومديرها ، أمام الرأي العام المحلي ، والتصدي لأي ناقد لمسيرتها الظافرة ، وإن كان من واجبها الرد على النقد والاستفسارات ، دون " تلميع " لا مبرر له ، ولتترك المواطن هو صاحب الكلمة بهذا الشأن .
تختلف الحال عند الحديث عن الوطن ، والدفاع عنه ، ويختلط الأمر على الكثير ، فيجعل الحكومة هي الوطن ، والوطن هو الحكومة ، وكل نقد لتقصير حكومي هو " كُفر بالوطن " ومدح الحكومة هو مديح وتعظيم للوطن ، وفي ذلك ظلم للوطن وللحكومة على حد سواء . ويلاحظ أن قلة تختار منهج الموضوعية في الدفاع عن قضايا الوطن ، حيث تميل الأكثرية إلى الإفراط بالمحسنات اللغوية ، والعبارات الإنشائية ، وخطاب " إذا بلغ الفطام لنا صبي تخرّ له الجبابرة ساجدينا " إلى آخر الأبيات المعروفة . خطاب العصر يقتضي الوضوح والنقاش بموضوعية وعلمية ، إيراد الحقيقة ببراهينها ، وتفنيد الأكذوبة وبيان عدم صحتها بتفاصيلها ، والإقرار بالخلل إن وقع ، وعدم اللجوء إلى ما لا يصلح للطعن بما قاله الآخر.
الدفاع عن الوطن حق بل فرض على كل مواطن يؤمن بقداسة الوطن . ويمكن للمدافع أن يعرض رأيه الذي يقتنع بصحته ، ويبني دفاعه على حقائق ، وحجج ، وبراهين دامغة ، وعليه أن لا ينساق إلى مهاترات إنفعالية يندم عليها مستقبلا . لقد وفرت وسائل البث التلفزيوني الفضائي سهولة هائلة في نقل المعلومات ، ويكفي المشاهد أن يضغط برفق على أداة التحكم عن بعد الخاصة بجهاز التقاطه لينتقل فورا ليسمع ويشاهد ما لم يسمعه أو يشاهده بقنوات معينة . وقد يكون بمنأى عن موضوع نقاش بين طرفين على إحدى القنوات من قطرين أو رأيين مختلفين فلا يُبدي أي تأييد أو تعاطف مع من يقوم بالصراخ والشتيمة ، بل يتعاطف مع من يناقش بهدوء وموضوعية وروية ، بعيدا عن " الفزعة " بمفهومها المحلي الضيق . وعذرا أقول تنطبق مقولة " أجا يكحلها عماها " على بعض الدفاعات ، لا لعيب بالقضية ، لكن لعيب بالمُدافِع .
haniazizi@yahoo.com