العرب .. دول قطرية وتكاملات قومية
د. عاكف الزعبي
21-08-2019 03:04 PM
لم يكن مقدراً لصورة الدولة الحديثه بصفتها القومية ان ترى النور في موقع ولادتها في أوروبا لولا نهاية دور الدين السياسي بزوال حكم الكنيسة واختفاء الشرعية الدينية لأباطرة وملوك وامراء اوروبا .
نهاية الحرب الدينية الطاحنة في اوروبا التي توجت بمعاهدة وستفاليا عام 1648 هي من مهّد الطريق لبناء الدولة القومية على انقاض تفكك الامبراطوريات ، وأذِنَ وإيذاناً ببداية عصر النهضة والتنوير والتخلص من الاقطاع وبزوغ عهد الثورة الصناعيه .
وكان القرن التاسع عشر قرن تنامي الافكار القومية في اوروبا بصورة كبيرة ما ادى الى منح فكرة " الوطن " ومفهوم " الامة " صعوداً ساحقاً حتى أنه ساعد في بعض جوانبه على صعود بعض قوى التطرف لقيادة الدولة كما حصل مع الحركة النازية في المانيا والحركة الفاشستيه في ايطاليا .
تركيا الحديثه إستنسخت الدولة القومية بوصول حزب الاتحاد والترقي لسدة الحكم . حيث قاد مصطفى كمال (اتاتورك) تتريك ما تبقى من الدولة العثمانيه . العرب خذلهم الحلفاء وتخلوا عن وعودهم لهم ببناء دولة عربية في الشرق العربي من الجزيرة شرقاً الى سوريا غرباً . وتم تقطيع الشرق العربي باتفاقية سايكس بيكو الى دول قطرية تم رسم حدودها لخدمة الاهداف الاستعمارية للغرب .
التخلف والطبيعة القبليه ، والغياب الكبير للنخب السياسية والثقافية المتنوره ، واقحام تيار الاسلام السياسي برعاية غربية شكلت مصدر قلق دائم للدولة القطرية العربية وحالت بينها وبين بناء جوامع مشتركة وهوية موحده لمكوناتها المجتمعية وانشاء الدولة القطرية الحديثة ذات البعد القومي .
ولم تكن النخب السياسية القومية المدنية والعسكرية التي وصلت لسدة الحكم بالانقلابات العسكرية بالمستوى القادر والمؤهل للتصدي لمهمة بناء الدولة القطرية الحديثة . بينما النخب التقليدية التي حكمت في دولها وأصبحت اكثر استقراراً واقرب الى الاضطلاع بمهام الحكم وبناء الدولة قيدّها وأسرها توجس الغرب من أي خطوات عربية جاده لبناء الدولة القطرية الديمقراطية المدنية بهوية وطنية جامعة ، مثلما هو توجسه من الحركات الوحدويه ذات البعد القومي بين أي من الدول العربيه .
عودة لبداية حديثنا لنُذِكّر بان رسوخ الدولة الاوروبيه القومية الحديثة حتى قيام اوروبا الموحدة قد استغرق تحولات وجهود إمتدت على مدى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وان احدث الجهود لبناء اوروبا الموحده اقتصادياً قد استغرق اربعين عاماً . وبالقياس نتبين كم من الوقت يحتاج العرب لبناء دول قطرية ديمقراطية مدنية مؤهلة للإسهام في بناء توجهات وتكاملات قومية بصورة مؤثره وصولاً الى وحدة اقتصادية وحسب .