مسلسل "جن" وفيلم "جابر" ماذا بعد؟
عبير مامي
21-08-2019 10:04 AM
قبل فترة أثيرت ضجة كبيرة حول مسلسل “جن” الذي تم تصويره في مدينة البتراء لما انطوت عليه مشاهد المسلسل من لقطات خادشة للحياء وعبارات مسيئة مسّت بشكل مباشر منظومة القيم الأخلاقية لدينا ما أستدعى حينها قيام الهيئة الملكية الأردنية للأفلام لإصدار بيان توضيحي حول دورها المتمثل في تشجيع الإنتاج المحلي واستقطاب الإنتاج الأجنبي في البلد وتسهيل التصوير، لافتة إلى عدم وجود نص قانوني يوكل لها أي مهمة رقابية، ما يعني عدم نظرها في النص أو السيناريو.
كما شهدنا ضجة إعلامية كبيرة واستياء شعبي واسع حول ما اُثير عن إدعاء الممثلين الذين انسحبوا من فيلم “جابر” بإن قصة الفيلم تصور مناطق في الأردن على اعتبار أنها جزء من التاريخ العبراني، وعلى الرغم أن فريق العمل قد الغى تصوير الفيلم إلا أنه لم يصدر تصريح واضح حول هذا الموضوع لقطع الشك باليقين، خصوصأ بأن هذه الادعاءات إذا كانت صحيحة فهو أمر خطير ويستدعي توخي الحذر لما تحمله من تزييف للرواية التاريخية بتأكيد المزاعم الصهيونية في أحقية وقدم الوجود اليهوي في فلسطين والأردن.
إن هذه الأحداث بتداعياتها تضعنا أمام خيارين إما رفض تصوير أي أعمال مستقبلاً تجنباً لما قد تثيره من مشاكل ونعرات مما يعني المساهمة في تراجع صناعة الأفلام على الأراضي الأردنية، وبالتالي خسارة امكانية وضع مناطق كالبترا ووادي رم وغيرها ضمن خريطة السياحة العالمية وفقدان ما نجنيه من فوائد اقتصادية وسياحية ومعرفية، أو أن نكون أكثر وعياً وعقلانية باتخاذ ما يلزم من إجراءات والتركيز على إيجاد حلول منطقية للمحافظة على جعل الأردن مقصداً لكبريات شركات الانتاج السينمائي بتسهيل مهمتهم وبنفس الوقت المحافظة على حقنا في عدم تعارض هذه الصناعة مع مبادئنا ومرتكزاتنا.
فهل تقتضي الحاجة مثلاً تعديل بعض القوانين الخاصة بالجهات المعنية بمنح التصاريح للشركات التي ترغب في تصوير أي أفلام أو أعمال سينمائية أو حتى وثائقية على الأراضي الأردنية، ليكون لها الحق في الاطلاع على النص والمضمون والموافقة عليه قبل المباشرة في التصوير، ولكن في هذه الحالة لابد من الانتباه لخصوصية صناعة الفن والسينما بما تحمله من مساحات ابداعية وفكرية لا يجوز خنقها بفرض أُطر رقابية غير مبررة قد تؤثر بشكل سلبي على العمل أو القائمين عليه وبالتالي فإن الحكومة معنية بإختيار أصحاب اختصاص وأكاديميين يمتكلون من الخبرة ما يؤهلهم للحكم بشكل موضوعي وعلمي على طبيعة هذه الأعمال وبما لا يؤثر سلباً على أي طرف من الأطراف.
هل أطلعت الحكومة عل سبيل المثال على التجارب العالمية بهذا المجال، وما هي الاجراءات المتبعة عالمياً لحماية حقوق كلا الطرفين، هل من المنطقي مثلاً إعداد وثيقة توقع عليها الجهة التي ترغب بالتصوير تتعهد من خلالها بعدم المساس بالثوابت الوطنية والاجتماعية واحترام النسيج الاجتماعي بما يحمله من موروثات وقيم، بلا شك الموضوع بحاجة للبحث والدراسة بشكل وافي قبل اتخاذ أي إجراءات مستقبلية وهذا ما نتمناه.
لا بد من رعاية هذه الصناعة ودعمها وتشجيع القائمين عليها لتصوير أعمالهم في الأردن بتوفير الامكانيات اللازمة وتقديم الدعم المطلوب، ويجب أن لاتتهاون الحكومة الأردنية في حل هذه الاشكالية وهدر ما قد تعود به من فوائد ومكاسب اقتصادية نتيجة للضغوط والحجج الشعبوية التي تحدث، خصوصاً وأن ردّات الفعل هذه لها ما يبررها في ظل عدم وجود خطوط ومعالم واضحة للتعامل مع هذه القضية من الأساس من قبل الجهات المعنية حتى تاريخه.