إعادة التموضع على متاريس الاعلام
إخلاص القاضي
20-08-2019 05:00 PM
في خضم هذا التناسل اللاشرعي للاخبار الملفقة والكاذبة والمزيفة والمغرضة واللامهنية، في لجة هذا الموج العارم من دخلاء الكلمة ومتصيدي الحرف والصورة بصنارة الامية والجهل والادعاء، نحتاج اليوم اكثر من أي يوم انقضى إلى استراتيجة اعلامية جامعة وطنية حقيقية متطورة تنطلق اساسا من فهم التغييرات التكنولوجية الهائلة في قطاع الاعلام، وتعيد الهيبة لمهنة الصحافة والاعلام قطعا لدابر انقراضها أو تفجيرها بارهاب كبسة زر، قد يقف وراءها موتور ، مريض نقسي، مهووس، او دخيل، لأنه وبكل صراحة، واذا استمر الحال على حاله، فان حالة الفصام الذهني بين الفوضى العارمة المتعلقة بامال وتوجهات ومطالب ومعاناة الناس، وبين الحكومات السائرة بلا هدى ولا استراتيجيات عميقة ومدروسة، أقول تلك الفوضى، إلى توسع!
المؤثرون أو من سميوا كذلك وفي ظل غياب التأثير المقنع للخبر الرسمي - رغم صدقيته قياسا-، برزوا في الليلة الظلماء بدورا، دون فهم لمعاني المهنية الاعلامية أو إختبارها، تحريريا وميدانيا وميثاقيا، ظنا منهم ان كاميرا و"لايف" و"شوية" تعليقات، و"منور"، هي مفاتيح الشهرة، ولو على حساب المضمون، في وقت تراجعت به صفوف المؤثر الحقيقي الذي يبدع بالكلمة والفكرة حتى لو كان معارضا لبعض السياسات الحكومية، ولا يرضى والحالة هذه لنفسه الدخول في معترك جديد اختلطت به المعايير والاهداف وهبط عليه من الفضاء الالكتروني، من اقنعوا انفسهم قبل الناس بانهم من المؤثرين، وهنا ايضا " صفنت" الحكومات، هل تأخذ المؤثرين على محمل الجد مسايرة للعصر رغم غياب المضمون، ام تتكل على جيل "الاقلام" الذي بات في عهده الماضي والتقليد، فتتهم بالرجعية رغم أن مضامينهم عميقة وذات فائدة؟، المطلوب إذن أن تعي الدولة اهمية المهنية والاتكاء الايجابي على مؤثر ي المضمون والمهنية، وبموازاة التطور التكنولوجي لتأسيس نخبة دائمة ومتجددة من اقلام وطنية لا تتاجر بالحبر، ولا بالفكرة ولا تلهث وراء الارباح الخيالية، بل تعمل"بحق الله"، كرمى لعيون الوطن وقضايا الناس العادلة.
الحكومات اليوم مطالبة
اكثر من اي يوم مضى باعادة التموضع على متاريس الاعلام الجديد، استعدادا ذكيا وباسلحة فكرية كاملة وذخيرة مهنية حية لا تنضب، تصيب الهدف، وتمنع" القصف العشوائي"، قبل أن ينتشر.
وفي ذات السياق، فإن تعزيز الدور الرقابي للمواطن والمواطن المراسل، ايضا مهم، والاهم التوقف عند قضايا مصيرية عالقة، يشكل عبرها مجموعات حشد للضغط من أجل تقديم الحلول ودفع الحكومة للقيام بواجباتها.
محظوظ هذا الجيل بميزة لم تتوفر لسابقاته، "الحرية المسؤولة" في التعبير عبر الاعلام الجديد، وعلى الحكومات التقاط كل ما شانة احداث الفرق الايجابي في حياة الناس، كما أن الاستخدام الايجابي "للسلطة الخامسة" يدفع بالدولة ومؤسساتها إلى ممارسة رقابة ذاتية على ادائها،خوفا أو منعا او احساسا بأن هنالك من يترصد لها ويتابعها حرفيا، فلنكن هذا الجيل الذي لا يخشى في تشخيص القضايا مع الحفاظ على مهنية الطرح وعقلانية الكلمة، وليميز العامة بين غث الاعلاميين وسمينهم، بين اصيلهم ودخيلهم، آن الأوان لوقف سموم الذباب الالكتروني، التي تنتشر على قمامة بعض المأجورين دون هدى ولا بوصلة، وآن الاوان ان يتخلى البعض عن دور الببغاوات، فيعيد اقاويلا ومقاطع فيديو كاذبة على انها حقيقة مطلقة، آن الأوان لضمائر حية لا تتاجر بالوطن ولا بسمعته، تقدس معنى الكلمة التي تصنع فرقا ايجابيا يكرس نهج المواطنة والإنتاجية.