فجّرت النائبتان الديمقراطيتان رشيدة طليب والهان عمر، قضية سياسية وحقوقية ومضمون العلاقة بين الولايات المتحدة كطرف راعٍ للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وداعم له، وحجم المال والسلاح المتطور والحماية الدبلوماسية والقانونية التي توفرها واشنطن لتل أبيب، وتمنع عنها المساءلة القانونية والإدانة السياسية والعزلة الأممية المطلوبة بسبب انتهاكاتها للقانون الدولي، وبين حكومة المستعمرة الإسرائيلية التي تمنع نواب أميركيين من الحزب الديمقراطي لدخول فلسطين، وتحجب عن المشرعين الأميركيين حق الاطلاع والمراقبة والتدقيق للأحوال المعيشية والسياسية القاسية غير الإنسانية المفروضة على الشعب الفلسطيني من قبل الاحتلال الإسرائيلي .
النائب رشيدة طليب يمكنها مقابلة جدتها الكبيرة في السن في بلد ثالث أقرب من واشنطن كونها هرمة، وتحتاجان لأسباب عائلية للقاء وتبادل المودة، ولكن يجب عدم ربط زيارتها لفلسطين بمشاهدة جدتها، على الرغم من أن هذا المطلب إنساني وعائلي ومشروع ويجب تفهمه، فالمكانة التي تتمتع بها رشيدة طليب يفرض عليها أن تقفز عن هذا المطلب العائلي الإنساني ليكون مطلبها مقتصراً على أداء دورها الرقابي والوظيفي المتمثل بمراقبة نتائج الدعم المالي الأميركي للمستعمرة الإسرائيلية لأن ذلك سيكون مطلبها محق وسياسي ومباشر بما يخدم المصالح الأميركية وهل يتفق هذا الدعم مع المعايير القانونية والسياسية والديمقراطية التي يؤمن بها الشعب الأميركي دافع الضريبة وممول للثمانية والثلاثين مليار دولار التي ستدفعهم الولايات المتحدة خلال الفترة المالية 2019 حتى 2028 .
التدقيق بعمل السفير الإسرائيلي رون دريمر في واشنطن، والسفير الأميركي ديفيد فريدمان في تل أبيب، وهما اللذان نسقا قرار منع زيارة النائبتين الأميركيتين لفلسطين، وهما اللذان اقترحا القيود ووضعا سيناريو المنع، بما يتفق مع سياسات إدارتي ترامب ونتنياهو الأكثر إلتصاقاً مع بعضهما لأسباب أيديولوجية عنصرية، ولدوافع انتخابية انتهازية مكشوفة .
إثارة القضية ومواصلتها مفيدة سياسياً ورادعة نسبياً، رغم الإدراك المسبق أن قرارات حازمة لن تصدر بالنتيجة لا من مجلسي النواب والشيوخ، ولا من إدارة ترامب، فموازين القوى وضيق الأفق السياسي ما زالا داخل مؤسسات صنع القرار الأميركي، أسيراً لمصلحة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي المتنفذ مهما بدا متطرفاً وعنصرياً واستعمارياً ورافضاً لقرارات الشرعية الدولية ولقيم حقوق الإنسان .
معركة تصويب السياسات الأميركية نحو التعامل مع المستعمرة الإسرائيلية، لن تُعالج إلا في إطار الوضع الداخلي الأميركي، وتقليص نفوذ اللوبي الصهيوني الإسرائيلي داخل مؤسسات صنع القرار ولدى الناخب الأميركي الذي يقع تحت تأثير الإعلام المسيطر والموجه من قبل الصهاينة، بينما إشراك الاتجاهات الديمقراطية التقدمية الذين ينتمون للطائفة اليهودية، لمواجهة النفوذ الصهيوني الإسرائيلي، هو السلاح المتمكن والمجرب الذي يعط النتائج المطلوبة لتقليص هذا النفوذ، وتحرير أميركا من هيمنة وسيطرة الاتجاهات العنصرية والتوراتية وإبراز تعارضها مع القيم الأميركية التي أتت بها الثورة الأميركية وجعلت من أميركا دولة ديمقراطية ومتقدمة.
h.faraneh@yahoo.com
الدستور