لا شكّ بأن طرح مشروع الإصلاح السياسي يمثل اليوم استباقاً لضرورة حتمية مرتبطة بعامل التحول و التغيير. فالإصلاحات التي تشهدها الدول ترتبط فعلياً بمراحل نمو الدولة و التغيرات التي تطرأ على الأوضاع الديموغرافية و الاجتماعية و السياسية.
و يمثل القول بأن الإصلاح هو أولويتنا و هو نتاج وعينا و فهمنا لواقعنا السياسي و الاجتماعي، نظرة سياسية واعية و مدركة لمتطلبات و واقع المرحلة.
تؤتي هذه العملية الإصلاحية أُكُلَها حين لا يتم استغلالها من قبل فئات معينة أو تجييرها لمصالح شخصية، و من هنا يجب التركيز على سياسة محدّثة تضمن نسبة عالية من المخرجات الإيجابية، و بالتالي يجب علينا تجاوز التناقض بين الفكر السياسي النظري الأكاديمي و الفكر السياسي المطبّق و الذي يبدو متأخراً بمراحل كبيرة.
و بالتالي يجب التركيز على عملية بناء الفكر الإنساني، و هي عملية تبدأ ببناء الوعي و إعادة هيكلة طبيعة العلاقة بين الفئات الاجتماعية بحيث يُعطى الإنسان فرصة ليعيش مرحلة التطور الطبيعي للعلاقة بين المصطلح و إدراكه، فلا يفوق المصطلح واقع الإدراك السياسي وبهذا ننأى بأنفسنا عن مخاطر السقوط في مستنقع الاغتراب الفكري و الذي يمثل فجوة فكرية بين الإنسان و نوعية و مستوى التفكير.
تعتبر التعددية السياسية أساس الحراك السياسي الذي يتيح الفرصة لتبلور الأفكار و تحويلها إلى خطط عمل، و تعتبر الخطط الناتجة عن الحراك السياسي أقرب إلى الواقع و بالتالي تؤدي إلى ضمان النتائج الإيجابية.
ويمثل الانتقال إلى ثقافة التعددية من ثقافة الإجماع خطوة مهمة في عملية بناء الفكر الإنساني و لا شك أن تقدير الإنسان لماهيّة أفكاره التي يحملها هو أساس التنمية و الإصلاح.
فعلاقة الإنسان بالتنمية و العمل و التطوير تتناسب طردياً مع شعوره بإنسانيته و بكونه جزءاً مهماً من عملية صنع القرار و الذي يؤدي في النهاية إلى خلق إنسان منتج و متفاعل مع محيطه.
و من هنا يجب علينا اتخاذ جميع التدابير التي تحافظ على إبداع و استقلال الفكر، و أن نتذكر قول فرح أنطون : "كلّما ازدادت شدة مشاركة الإنسان في صنع واقعه كانت سعادته أكثر وضوحاً و كمالاً".
إن عملية الإصلاح السياسي يجب أن تتميز أجندتها بنقاط رئيسية كوضوح الهدف و قوة جاذبيته للشعب و قدرته على استقطاب الجمهور بحيث يشعر أنه بحاجة إليه و أنه يمثل الدواء لكل داء، و يجب الأخذ بعين الاعتبار خصوصية المرحلة التاريخية التي تحتم علينا إيجاد الوسائل العملية و الطرق التي تتناسب مع الهدف المنشود، و من المهم في هذه المرحلة كما يؤكد د.عبدالله العروي وجوب استيعاب المنطق الجدلي في محاكاة الشعارات الجديدة و إلّا باتت و كأنها تبريرات لواقع لا يمكن تغييره.
و يتطلب ضمان انتشار الأفكار السياسية مواكبة الإصلاحات الاقتصادية له من أجل ضمان مشاركة أكبر و نتائج أكثر إيجابية، و لا بد للإصلاح السياسي من التغلب على الظلم و الجهل، و لا شك أن اتخاذ خطوة الإصلاح السياسي تجسد الطريقة المثلى للتغلب على هاتين الآفتين.
و حتى نحافظ على مستوى الحماس المطلوب و المناخ الأمثل للإصلاح يجب علينا تذكر المثل الإنجليزي القائل : "الدليل على وجود الحلوى هو أن تأكلها".