سألت نفسي ذات مرة حين كنت صغيراً: لماذا يلقي الحجاج بالحجارة في اتجاه ذلك السور الحجري خلال مناسك الحج؟ وقيل لي: إنهم يرجمون الشيطان، وتساءلت: لماذا يرجمونه؟ فقيل لي: لأن الشيطان كان يحاول منع سيدنا إبراهيم من ذبح ابنه!
ومنذ ذلك الحين وصورة الشيطان في ذهني تتراجع عن تلك البشاعة التي اجتهدت مخيلتي الصغيرة آنذاك في أن ترسمه بها، لست أدري لماذا أحسست للحظة أنه إنساني ورحيم أكثر من أولئك الذين يعيشون بين ظهرانينا، ولا يستحق كل هذا الرجم وأحسست أن من يرجمونه طيلة هذه السنين قد يكونون أقسى قلبا منه وأشد ظلما وعدوانا ويستحقون من الرجم ما هو أكثر منه،
عشت حياتي .. أحلم بحياة فاضلة نبيلة، كنت في ظمأ شديد إلى هذا الانبعاث، حتى وقعت في حمأة حقيرة من عمل شياطين الانس ممن يرجمون إبليس الأب! يوسوسون للايقاع بين الابن وأبيه ويوحون لنا زخرف القول غرورا،
هناك كما يقول أرسطو ركن غبي عند أكثر الناس حكمة وذكاء يُستدرجون من خلاله ويقعون في الفخ، فخ شياطين الإنس.
شياطين الإنس يتطهرون بألآم وأوجاع الطيبين أعزائي القراء، ويشربون أحزانهم ويسكرون بها أحياناً، أصبحتُ كلـّما خالطتهم أكثر عرفتهم أكثر، يرفضون الإذعان للعقل، ويتعاطون عن عمد، وبدافع العقوق الخالص، كل الأعمال المناقضة للحكمة والمنطق، ولا شيء آخر، وإن انعدمت لديهم الحيلة والوسيلة، سيخلقون الخراب والفتن وسيبتدعون آلاف الآلام القصص يخدعون بها أنفسهم، وهذا أسخف وأغبى ما يشغلون به بالهم.
لا تكن طيباً على الدوام يا صاح، ولا تبح بمشاعرك لورثة الشيطان ولو كانوا ذوي قربى! لكيلا تكن أمسياتك مليئة بالندم وطريقك مليئة بالأشواك.