نَعَمان , أولهما : لنص المادة (44) من الدستور
ثانيهما : لقرار المحكمة الدستورية رقم (1/ لسنة 2019) الذي جاء تفسيراً له
ولا للتفسيرات أو التأويلات الخاطئة
لقد جاء في القرار المشار إليه أعلاه ما يلي : ( بناء على قرار مجلس الوزراء المستند لحكم الفقرة (2) من المادة (59) من الدستور المشار إليه بكتاب رئيس الوزراء ذي الرقم
(د1 /2534) المؤرخ في 24/6/2014 , أن المطلوب تفسيره هو :
1. بيان فيما إذا كانت عبارة أن يشارك في اي عمل تجاري أو مالي الواردة في المادة (44) من الدستور تحظر على الوزير أثناء توليه المنصب الوزاري , أن يكون شريكاً أو مساهما ً في شركة أو عمل تجاري أو مالي .
2. بيان فيما إذا كانت عبارة (التعاقد مع) الواردة في الفقرة (2) من المادة (75) من الدستور تشمل التعاقد غير المباشر عن طريق عقد الوكالة أن يكون وكيلاً لجهة تتعاقد مع الحكومة أو اي من الجهات الرسمية في تلك الفترة .
وما يهمنا في مقامنا هذا , هو تفسير المحكمة المحترمة للبند رقم (1) فقط لان الجدل الذي ثار في وسائل التواصل الاجتماعي قد انصب على هذا البند دون غيره .
وتوصلاً لتحقيق المحكمة مُبتغاها هذا , افتتحت تفسيرها بما يلي : ( اولاً : أن المادة (44) من الدستور تنص على انه لا يجوز للوزير أن يشتري شيئاً من أملاك الحكومة ولو كان ذلك في المزاد العلني , كما لا يجوز له أثناء وزارته أن يكون عضواً في مجلس إدارة شركة ما أو أن يشترك في اي عمل تجاري أو مالي أو أن يتقاضى راتبا في اي شركة ) .
وبعد أن أسهبت في تسبيب قرارها على نحو تُحمد عليه , توصلت بالنسبة للسؤال الأول إلى ما يلي :
(أن محكمتنا ترى أن هذا الحظر على الوزير يشمل كل نشاط تجاري كما وسبق وبيناه بما في ذلك المشاركة في اي شركة من شركات الأشخاص أو المساهمة في اي شركة من شركات الأموال وهي شركات المساهمة العامة أو الخاصة بما في ذلك الاكتتاب في أسهمها عند التأسيس أو شراء للأسهم لاحقاً , ومرد هذا الحظر ما سبق وان بيّناه بالنسبة للمنصب الوزاري وان لا يكون هناك اعتقاد أن مثل هذا النشاط لو قام به الوزير يمثل الموقف الرسمي للحكومة مما يُخرج الامور عن غاياتها ) .
واختتمت قرارها بما يلي :
(وعليه , وبإنزال حكم الدستور على ما سبق بيانه نقرر ما يلي :
• لا يجوز للوزير أثناء عمله الوزاري ممارسة اي نشاط تجاري مهما كانت صفاته ونوعه , وكذلك المشاركة في اي مشروع تجاري , أو من خلال الشركات بشراء حصص فيها أو المساهمة بواسطة الاكتتاب عند التأسيس أو شراء الأسهم فيها لاحقاً) .
لقد أصابت المحكمة الدستورية كبد الحقيقة فيما انتهت إليه للأسباب التالية :
• اولاً : أن المحكمة الدستورية قد تقيدت بتفسير ما طلب منها تفسيره , اذ لا يجوز لها أو لاي محكمة دستورية أن تتصدى لما لم يطلب منها تفسيره وفقاً لما هو مسلم به في أحكام وقرارات المحاكم الدستورية في العالم .
• ثانياً : لقد أصابت ايضا بتفسيرها نص المادة (44) من الدستور التي حظرت على الوزراء- جديدهم وقديمهم – أثناء توليهم المناصب الوزارية أن يكونوا شركاء أو مساهمين في اي شركة ٍ أو يمارسون اي عمل تجاري أو مالي أو أن يتقاضوا راتبا ًمن اي شركة .
• ثالثا ً : قررت ايضا أن الحظر على الوزير يشمل كل نشاط تجاري بما في ذلك المشاركة في اي شركة من شركات الأشخاص أو المساهمة في اي شركة من شركات الأموال وهي شركات المساهمة العامة أو الخاصة بما في ذلك الاكتتاب في أسهمها عند التأسيس أو شراء الأسهم لاحقا ً , ومرد هذا الحظر بالنسبة للمنصب الوزاري أن لا يكون هناك اعتقاد أن مثل هذا النشاط لو قام به الوزير يمثل الموقف الرسمي للحكومة مما يخرج الامور عن غاياتها .
(( والجدير بالذكر أن هذا القرار لم يفرق بين وزير تولى منصبه الوزاري في الوزارة حديثاً أو قديماً , لأنه لم يطلب من المحكمة الدستورية بيان ذلك ,))
فإن الحظر قد جاء عاماً يشمل جميع الوزراء دون تفرقةٍ بينهم خاصةً وان مراكزهم وأوضاعهم القانونية أثناء توليهم للمناصب الوزارية مُتماثلة , الأمر الذي يحقق مبدأ المساواة فيما بينهم , تطبيقاً لمبدأ المساواة بين المواطنين الأردنيين بمقتضى المادة
(6/1) من الدستور في قولها : ( الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وان اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين ) .
وعليه ,
فلا يجوز أن يضاف إلى قرار المحكمة الدستورية ما ليس فيه , بمقولة أن قرارها لا ينطبق على الأعمال التجارية والمالية التي كان الوزير يمارسها قبل توليه منصبه .
وبالمثل ايضا فان القرار لم يتضمن فيما إذا كان الوزير ملزما بالتنازل عن اي أسهم أو ملكيات تجارية في الشركات العامة أو الخاصة التي امتلكها قبل توليه الوزارة لان الوضع القانوني له موجود قبل توليه الوزارة مبينا – ان من نسب إليه القول - ((أن المنع يبدأ منذ توليه المنصب )) .
فهذه كلها آراء أو توضيحات تبقى على مسؤولية من صدر عنها , وهي في رأينا أتت بما لم يرد في قرار المحكمة الدستورية المحترمة .
زبدة القول في القرار انه حظر على الوزير أثناء توليه الوزارة بشكل صريح وواضح وعلى نحو لا لبس فيه ولا غموض أن يكون شريكا أو مساهما في اي شركة أو عمل تجاري أو مالي أو أن يتقاضى راتبا من اي شركة أو يمارس اي نشاط تجاري بما في ذلك المشاركة أو المساهمة في اي شركة من الشركات التي ورد ذكرها في القرار .
مؤدى ذلك , أن تنقطع صلة الوزير نهائياً في الحقيقة والواقع بكل ما هو محظور عليه القيام به تطلبا للدستور ولقرار المحكمة الدستورية الذي جاء تفسيراً له .
وبعبارة أخرى , أن القرار الصادر عن المحكمة الدستورية لا يكتفي بأن يمتنع الوزير أثناء توليه منصبه الوزاري السامي عن ممارسة كافة الأنشطة التي تضمنها القرار مع بقائه حاملاً لصفة الشريك , وان ما يتطلب منه ايضا , أن يكون في وضع ٍ لم يعد معه حاملاً لهذه الصفة من الناحيتين الشكلية والموضوعية , حرصاً من القرار الذي جاء تطبيقاً أمينا للدستور غايتهُ ألنأيَّ بالشوائبِ التي قد تلحقُ بالوظيفة الوزارية السامية , وان هذا الحرص لا ينصبُ على الوزير بقدر ما ينصب على الوظيفة للنأيِّ بها عن كل ما قد يحيط بها أو يلحق بها من شوائب .
وأخيرا لا داعي بأن نذكر بأن قرارات المحكمة الدستورية وأحكامها ملزمة لجميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وللكافة، ولا يجوز تفسيرها أو تأويلها الآمن قبل أعضاء المحكمة الدستورية بإجماعهم أو بأغلبيتهم .