لا يوجد بلد في الدنيا ، لا يتحدث الى فعالياته الاساس ، من اعلام ونيابة واحزاب ومكونات اخرى ، والحديث هنا ليس تدخلا ولا توجيها سياسيا ، على طريقة الدول الشمولية ، وانما تأكيد لشراكات وتزويد بالمعلومات ، وليس التوجيهات ، لكثير من الاطراف ذات الصلة بالشأن الداخلي.
لم يعد لدينا احد يتحدث الى كل هذه الفعاليات ، والصرعة الجديدة تقول ان الحديث الى كل هؤلاء هو تدخل لا بد ان ينتهي ، بحيث يتم فرط هذه الفعاليات ، وتحويلها الى فعاليات فردية ، كل يدور في الفلك الذي يريد ، ولو تأملنا قضايا هامة كان للاردن فيها موقف هام جدا ، مثل قضية القدس ، وقضايا حساسة مثل الوضع الاقتصادي ، وما هو مقبل وآت ، لاكتشفنا عبر الانموذجين ، ان لا احد يضع الاخر في صورة ما يجري ، والحوار تحول الى بضعة بيانات اعلامية تشرح ما يجري ، وتترك لك الاستنتاج ، والاستبصار والتنجيم حول مايجري.
الامريكيون والبريطانيون والصينيون ، المؤمنون بالحريات ، والقمعيون ، كلهم على اختلاف مشارفهم ، يشعرون ان هناك من يتحدث معهم واليهم ، باختلاف النمط والمضمون ، ولا احد يترك فعالياته المحلية للفراغ ، وللاجتهاد المطلق. نقيض التدخل في خط الانسان وطريقة تفكيره ، اسوأ من التدخل ذاته ، ونحن لا نجيد التوسط ، فاما يتدخل بك الوزراء وكل صاحب سلطة ويريدونك موظفا صغيرا تلهث خلفهم ، واما يتم ترك كل هذه الفعاليات ، تركا كاملا ، وكأن الفردية بهذه الطريقة ، تريح البلد من اجواء الطحن والتطاحن ، وهي فردية تهدم الروح الجمعية ، وتجعلك تشعر انك لست مع احد ، ولا احد معك ، وكل يرى الوطن بطريقته الخاصة.
سألت احد السياسيين في البلد قبل ايام ، عن اخر مرة جلس فيها الى مسؤول حكومي ، ليستمع فرديا الى كثير من المستجدات فقال انه لا يجلس مع احد ولا احد يجلس معه ، وسألت كاتبا عن اخر مرة تمت دعوته الى وزارة هامة ، فقال انه لم يدخلها منذ عام ، ويسمع عن اخبار وزيرها ونشاطاته مع الاعلام ، مثله مثل اي عربي او اجنبي ، يراقب الشأن الاردني. القضية لا تتعلق بالوجاهة والمنافع والمكاسب والجلوس الى مائدة ، وانما تتعلق بكون المبدأ لا يجيز تطليق كل هذه الفعاليات ، من جانب كل المؤسسات ، وكل مؤسسة تقول لا اريد الجلوس مع فلان حتى لاتفهم المؤسسة الاخرى ، اننا نحشد او ندخل على خط دور اخرين. حسنا ، لماذا لا يؤدي كل طرف دوره ، وحين تتأمل رئاسة الوزراء او الوزارات او مجلس النواب ، وبقية المؤسسات السياسية ، تكتشف ان كل واحد منها ذهب الى ما هو اقل من دوره ، لانه يخشى ان يتهم بأنه ينتج بطانات ، ويحشد مؤيدين ومصفقين وانصارا ، برغم اتفاقنا ، اننا لسنا مصفقين ، وبحاجة لان نفهم فقط ما الذي يجري ، والى اين نذهب على مستوى مدارات كثيرة.
رد الفعاليات الى عصمة الدولة ، امر هام ، واذا كنا ضد الانموذج الشمولي في تسخير الاشخاص ، وتوجيههم والتحكم بهم ، فنحن ضد تركهم كليا بالمطلق ، وكأن الطلاق قد حل ، والتوسط بين النماذج هو الحل ، لان المنطق يقول ان الدول لا تترك الشركاء ، وتضعهم في صورة ما يجري تجاه كل الملفات ، ومن يقول ان الطلاق هو الحل الوحيد لتهدئة الساحة المحلية ، لا يعرف كلفة الطلاق التي حصلت ، فما يهمه هو عدم الصداع ، حتى لو تشظى منتخب كرة القدم ، وتحول لاعبوه الى لاعبي سلة وتنس وطائرة ، في ملعب لا يصلح الا لكرة القدم اساسا.
mtair@addustour.com.jo